سعى المغرب لتعزيز قطاع الصناعات الدفاعية المحلي والنهوض به ليكون قادرا على الاستجابة لتحديات السيادة والاكتفاء الذاتي والأمن في إطار التعاون المعزز جنوب- جنوب، وفي هذا المجال افتتحت شركة تاتا أدفانسد سيستمز ليمتد الهندية التابعة لمجموعة تاتا الثلاثاء مصنعا بالقرب من الدار البيضاء لإنتاج المركبات القتالية المدرعة.
وقالت إدارة الدفاع الوطني المغربية إن المصنع سينتج مركبات مدرعة لصالح الجيش المغربي وللتصدير إلى جميع أنحاء أفريقيا.
ومن المتوقع أن تصل نسبة المكون المحلي إلى 35 بالمئة مع خطط لزيادتها إلى 50 بالمئة، مما يعزز هدف المغرب في تقليل الاعتماد على الموردين الأجانب.
وتتزامن الخطوة مع سعي المغرب، الذي يمتلك واحدة من أكبر ميزانيات الدفاع في أفريقيا، لتوطين الصناعات العسكرية. ففي يونيو/حزيران الماضي أقرت البلاد تشريعا لتحفيز الصناعات الدفاعية المحلية بهدف تلبية احتياجات قواتها المسلحة وتقليل الواردات.
ويأتي افتتاح مصنع تاتا في أعقاب اتفاق ثنائي تم توقيعه الاثنين بين المغرب والهند لتعميق التعاون الدفاعي، بما في ذلك التدريب المشترك والإنترنت المرتبط بقطاع الدفاع والطب العسكري والتعاون الصناعي. وجرى توقيع الاتفاق خلال زيارة وزير الدفاع الهندي إلى الرباط.
وأوضح بيان لإدارة الدفاع الوطني أن هذا المصنع، الذي شكل موضوع اتفاقية استثمار موقعة بين الأطراف في سبتمبر/أيلول 2024، يعد ثمرة شراكة استراتيجية موجهة لتعزيز القدرة الصناعية للمغرب في قطاع الدفاع.
ويطلق مصنع شركة "تاتا أدفنسد سيستمز ليميت" الذي أقيم في المنطقة الصناعية لبرشيد، الثلاثاء إنتاج المركبات المدرعة القتالية WhAP 8x8 لفائدة القوات المسلحة الملكية وكذلك للأسواق الدولية ذات فرص النمو العالية.
ويهدف هذا المشروع المهيكل، الذي تم إطلاقه بتوجيهات ملكية، إلى تمكين البلاد تدريجيا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الصناعي والتكنولوجي في ما يتعلق بالدفاع، فضلا عن كونه عاملا محفزا لتطوير منظومة صناعية مبتكرة ولخلق فرص شغل مؤهلة.
ومن شأن مصنع برشيد أن يدعم النمو الاقتصادي الجهوي عبر إحداث 90 منصب شغل مباشر و250 منصب شغل غير مباشر، علاوة على مخطط لزيادة القدرات يتوقع زيادة كبيرة في الإنتاج على المدى المتوسط.
كما يمنح الكفاءات المغربية فرصا للتدريب، والتطور المهني، وتطوير الخبرات التكنولوجية المتعلقة بإنتاج وصيانة مركبات الدفاع المتقدمة.
وأكد البيان على أن شركة باعتبارها رائدا عالميا مرموقا في مجال الدفاع، تضع رهن إشارة هذا المشروع خبرتها وتكنولوجياتها المتقدمة وشبكتها الدولية، مع تعزيز نقل الخبرات والابتكار المحلي.
ويشهد المغرب في السنوات الأخيرة تحولاً استراتيجياً جوهرياً في سياسته الدفاعية، حيث ينتقل من موقع المستورد الرئيسي للمعدات العسكرية إلى مركز إقليمي متنامٍ لتصنيع وتطوير العتاد الدفاعي. وهذا التحول لا يقتصر على مجرد الصفقات التجارية، بل هو جزء من رؤية ملكية شاملة تهدف إلى ترسيخ السيادة الوطنية، وتقليص التبعية للخارج، وتعزيز الاقتصاد المحلي.
ويستند هذا المسار على دعائم مؤسسية وقانونية قوية، أبرزها إصدار القانون رقم 10.20، وإحداث شركة متخصصة لإدارة المناطق الصناعية الدفاعية.
و تركز الاستراتيجية المغربية على بناء شراكات دولية متنوعة مع قوى عالمية وإقليمية مثل الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل والهند، بهدف نقل التكنولوجيا وتوطين الخبرات. وتبرز مشاريع طموحة في قطاعات حيوية مثل الطائرات المسيرة والمركبات المدرعة وصيانة الطائرات الحربية، مما يعكس نهجاً براغماتياً يبدأ بالصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مع الاستفادة من الخبرات الصناعية المدنية المتراكمة.
وعلى الرغم من التحديات المتمثلة في الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية وارتفاع التكاليف، فإن هذا المسار يضع المغرب كقوة إقليمية فاعلة، قادرة على تحقيق قدر من الاستقلالية الدفاعية والمساهمة في استقرار المنطقة.
وتعاون المغرب مع شبكة واسعة من الشركات الدولية بهدف نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة. ومن أبرز هذه الشراكات هي شركة 'تاتا أدفانس سيستمز' الهندية لتصنيع المدرعات، و'لوكهيد مارتن' الأميركية و'بايكار' التركية في مجال الطيران وصيانة الطائرات، وشركتي 'إلبيط سيستمز' و'أوردنانس فاكتوري' لتصنيع الذخائر. كما نجحت شركات مغربية محلية مثل 'أيرو درايف' في تطوير طائرة بدون طيار محلية الصنع باسم 'أطلس'.
وتم اتخاذ قرار بإنشاء شركة لتطوير مناطق صناعية متخصصة في هذا القطاع، مما يؤكد التزام الحكومة بتسريع هذا المسار.
ويُعد التوجه الحالي نحو التصنيع العسكري في المغرب بمثابة تحول استراتيجي شامل في مقاربة المملكة للأمن القومي. هذا المسار ليس مجرد استجابة لحاجة محلية، بل يأتي في سياق التحولات الجيوسياسية المتسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وما تفرزه من تحديات أمنية متزايدة تهدد الاستقرار.
تعليقات الزوار
لا تعليقات