أخبار عاجلة

المهاجرون الجزائريون والمغاربة يكتسحون مهرجان «كان»

مايو/ أيار هو شهر السينما و«الكروازيت»، منذ أن اكتشف العالم أشياء تثير الحواس أكثر من أصوات البنادق، شهر مهرجان «كان»، بلا منازع، ثقافة، فن، نجوم، وأضواء تشغل تقليديا وسائل الإعلام، سعف بألوان المعادن يتبارى حولها صناع صور يراد لها أن تخلد. لكن يبدو أن قدر النسخة الثامنة والسبعين من المهرجان الأشهر في تاريخ السينما الأوروبية، أن يتراجع درجات في سلم أولويات عشاق الصور أمام الجدالات والفضائح التي تثار هنا وهناك على السلالم وبعيدا عنها، وتختزلها صور لا على شاكلة «النيو وايف» بل على طريقة «باباراتزي».
بن زيمة، خوذري ومحفوف أسماء ثلاثة شغلت صفحات الجرائد ومجلات النجوم هذا الأسبوع في فرنسا، وهي تتبارى لتحجز لها مكانا بين حمم الـ«سوشيال ميديا»، حيث أقيمت المحارق، وتحررت الألسن حول الثلاثي.
كريم بن زيمة، نجم كرة قدم، لينا خوذري، نجمة سينما، أما لينا محفوف فهي نجمة «سوشيال ميديا» ورائدة أعمال مشهورة جدا في فرنسا. لو قدر للثلاثي أن يجتمع حول خاصية فهو أصوله المهاجرة الجزائرية.
شغل النجوم الثلاثة سلالم مهرجان كان وبساطه الأحمر، لا بأناقتهم، ولا بمميز أعمالهم، ولا حتى بجواهر «شوبارد» التي تزينت بها الـ»لينتان».
أما كريم بن زيمة ولينا خوذري، فقد فاجآ الجميع بارتباط نظري، تعجب له المتابعون. ولينا محفوف لأنها ارتدت لباسا «فاضحا».
عرفت خوذري بالأدوار المهمة التي أدتها في أفلام مميزة، تجاوزت في بعضها حدود التنميط، الذي يشتكي من أبناء المهاجرين المغاربة من الذين ينجحون في شق طريق نحو المجد والأضواء. النجمة التي ولدت في الجزائر العاصمة سنة 1992 لأب صحافي شهير، وأم عازفة كمان، عرفت بأفلام مميزة كـ»بابيشة» الذي يحكي قصة بنات زمن عشرية الدم في الجزائر، أخرجته «مونيا مدور»، ومنع من العرض في الجزائر لأسباب لا تزال مجهولة.
شهرة الأدوار، كما ثناء النقاد والمشاهدين على خيارات الشابة جعلها تكتسب احتراما متزايدا بين عشاق السينما، الأمر الذي يكون قد دفع كثرا لاستغراب ظهورها المفاجئ مع «باد بوي» (الولد السيء) لكرة القدم الفرنسية.
تعليقات الفرنسيين على مواقع التواصل الاجتماعي تراوحت بين من عبر عن فرحته لسعادة الثنائي، خاصة وأن بن زيمة بدا مختلفا، بملامح أكثر هدوءا، تماما كما الشابة إلى جانبه التي بدت كمن تصعد سلالم المهرجان للمرة الأولى. «جمال الحب» طبعا لم يكف فريقا رأى في العلاقة مجرد تكتل مصالح: «الصبية ضمنت تقاعدا مريحا» علق الكارهون، «تبدو بسن ابنته» (رغم تجاوزها الثلاثين)، «قبيحان»، «فيما تهمنا قصصهم؟».
لم تكن سهام المتابعين لتخطئ كريم، متسائلين «لما لا ترتدي صديقته حجابا؟» مستذكرين اتهامات سابقة له بالإسلاموية، واعتناق الفكر المتشدد،خصوصا بعد اختياره اللعب لنادي الاتحاد السعودي، وتباهيه المتكرر بتأدية طقوس إسلامية كالعمرة. «لماذا علينا أن نقع على أخبار رجل يكرر كرهه لفرنسا؟»، «ظنناه يخرج مع زاهية» (اسم صبية توسط فضيحة التأثير على قاصر واستغلالها في قضايا اتجار بالبشر شغلت وسائل الإعلام في فرنسا، وصنع فيلم حولها عنوانه «زاهية»، وتورط فيها بن زيمة وغيره من نجوم وسياسيين). المتندرون تساءلوا حول قدرة وزير الداخلية المثير للجدل في التدخل لإيقاف مثل هذا الاحتفاء بفرنسيين من أصول مهاجرة: «على روتايو أن يفض هذا التجمع، إنه ترويج للإخوان المسلمين وأفكارهم»!
والحرب على الإخوان وفكرهم، يبدو آخر تقاليع الطبقة السياسية الفرنسية، ورجل المرحلة فيها وزير الداخلية، الذي يعيش أزهى أيامه، إثر ارتفاع أسهمه في بورصة الانتخابات المقبلة، بعد أن قاد حربا دونكيشوتية ضد الذاكرة عبر وسائل الإعلام (ما لا يعلمه كثر أنه من أشد المنتقدين لحركة مايو/آيار 1968 التي غيرت وجه فرنسا الفكري والسياسي)، وكسب مريدين تماما على طريقة نجوم الـ»سوشيال ميديا» الجدد.
المحافظ الكاثوليكي، الذي يجيد إثارة الجدل أكد في آخر خرجاته صدور تقارير تؤكد التأثير المتعاظم للإسلام السياسي عامة وفكر الإخوان على فرنسا، أمر تناولته وسائل الإعلام والساسة في البلاد بتفاوت، لكنه أخذ أبعادا مختلفة على المنصات الاجتماعية، بعد أن صادف طريدة مناسبة.
«لينا سيتوياسيون (مواقف)» أو «لينا محفوف» شابة فرنسية من أبناء المهاجرين، ولدت في فرنسا نهاية القرن الماضي، بعد أن فر والداها من جحيم عشرية الدم. ابنة رسام الكاريكاتير، وجدت ضالتها في الـ«سوشيال ميديا»، التي دخلتها منذ أكثر من عقد، وعرفت كيف تكسب بعفويتها الملايين، حتى صارت أحد نجومها، تدعى لحضور محافل عريقة كـ»الميت غالا» باعتبارها فرنسية، وتحاور أكبر نجوم العالم في طبعة مهرجان «كان» السابقة، تحولت إلى «حمالة حطب» في نسخة هذه السنة بعد أن ارتدت فستانا من تصميم التوأمين «أولسن»، يحاكي آخر أيقونيا عرفت به «صوفيا لورين» وزينت رأسها بوشاح، لم يرق لكثر من مريدي «روتايو» ووجدوا في الأمر تجسيدا لنبوءاته.
«لا تنسي نحن فرنسيون»، « حاربت أمهاتنا حتى نتمكن من ارتداء تنانير قصيرة (ميني جيب) وأنت اليوم تروجين للعباية والحجاب؟»، «لا تنسوا إنها جزائرية»، «لباس مناسب للتسوق»، «تفتعل جدالات لا غير»، علق فريق من المناوئين للشابة. فريق آخر وجد الأمر مجرد توظيف سياسي، وجدالا عقيما، «ألم ترتدي مثل هذه الألبسة ملكات بريطانيا وبلجيكا؟»، « تشبه يسوع»، « سواء تعرت أو تغطت ستنتقدونها»!
المهرجان الذي يعد فرصة ثمينة لدور الأزياء ومصمميها النجوم عرف هذه السنة سن قوانين عدت سابقة إذ منعت الفساتين الطويلة لإعاقتها «حركة المرور» والأثواب «التي لا تستر»، وجد كثر في الأمر تحولا رجعيا على إيقاع التحولات اليمينية المتطرفة التي تعيشها عموم القارة والعالم، في بلد يبرع الساسة بمراقصة الثقافة والأضواء يبسطون أيديهم عليها تارة ويتلقون صفعات حميمة مرات.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات