بإغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي معبر الكرامة، الشريان الوحيد الذي يربط الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة بالعالم الخارجي، فرضت إسرائيل فعليا حصارا على نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني. ويأتي القرار الصادم بعد إغلاق مؤقت استمر يومين، تذرعت فيه إسرائيل بـ”الرد على عملية أمنية” نفذها مواطن أردني على الحدود، وأسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين.
ورغم فتح جزئي للمعبر يوم أمس، لم يتمكّن سوى عدد محدود من الفلسطينيين من العبور على الجانبين، بعدما ظل المعبر مغلقا ثلاثة أيام متواصلة (من الخميس حتى الإثنين). ففي خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إغلاق المعبر – المعروف فلسطينيا بـ”معبر الكرامة”، إسرائيليا بـ”جسر اللنبي”، وأردنيا بـ”جسر الملك حسين” – اعتبارا من صباح الأربعاء وحتى إشعار آخر.
آلاف العالقين
تسبب القرار بمعاناة قاسية لنحو ألفي فلسطيني تقطعت بهم السبل على الجانب الأردني، بعدما منعتهم الإجراءات الإسرائيلية من دخول الضفة الغربية والوصول إلى أريحا.
وأكد مسافرون أن ما جرى يعكس تحوّل الاحتلال في إدارة المعبر، بحيث يتعامل معه كأحد حواجز الضفة الغربية، يفتحه ويغلقه متى يشاء.
الصحافي حلمي أبو عطوان، أحد العالقين منذ فجر الجمعة، قال لـ”القدس العربي”: “حاولتُ كغيري عبور المعبر ثلاث مرات متتالية، لكن الاكتظاظ الشديد والعدد المحدود الذي سمحت به سلطات الاحتلال حالا دون ذلك”. وأضاف: “المشهد كان مأساويا: مئات من المسافرين، بينهم مرضى وكبار سن ونساء وأطفال، ظلوا لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، فيما لم يتمكّن من الدخول إلا القليل”.
وقدّر أبو عطوان عدد المسافرين يوم الثلاثاء بحوالي 2500، لم يُسمح سوى لثلثهم فقط بالمرور. وتابع: “الإجراءات غير مفهومة، وزاد الأمر سوءًا قرار نتنياهو إغلاق المعبر حتى إشعار آخر، ما يعني مزيدا من المعاناة والتكاليف على حياة المواطنين الصعبة أصلًا”.
بعض العالقين اضطروا للمبيت في المساجد القريبة من الجسر بسبب ارتفاع تكاليف التنقل، وهي معاناة تكررت مرارا خلال الأيام الماضية.
خلفيات سياسية
صحيفة “معاريف” العبرية كشفت أن الإغلاق جاء بقرار سياسي إسرائيلي، ويعكس غضب تل أبيب من عدم إدانة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للعملية الأخيرة على الحدود.
المحلل محمد علان دراغمة أوضح لـ”القدس العربي” أن الإعلام الإسرائيلي لم يذكر أن الهدف منع وزراء السلطة من العودة، بل ربط الإغلاق بموقف الأردن من العملية.
ولم يقتصر الإغلاق على الأفراد، بل شمل أيضا الجسر التجاري المستخدم لنقل البضائع بين الضفة الغربية والأردن، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية للمعبر على المستويين الاقتصادي والإنساني.
تبعات اقتصادية وإنسانية
تصف مصادر فلسطينية إغلاق المعبر بأنه بمثابة حصار مباشر للضفة الغربية، يضاف إلى ممارسات الاحتلال من اقتحام وهدم وتهجير.
وتشير بيانات غرفة تجارة عمان إلى أن حجم التبادل التجاري بين الأردن وفلسطين بلغ عام 2021 نحو 179.4 مليون دينار، وارتفع في 2022 إلى حوالي 432 مليون دولار أمريكي (بنمو 32%). وتشمل الواردات الفلسطينية منتجات غذائية وصناعية واستهلاكية ومواد خام.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة، شهدت حركة العبور عبر الجسر تراجعا كبيرا: فقد انخفض عدد الشاحنات من 15 ألفا في أيلول/سبتمبر 2023 إلى 6 آلاف في تشرين الأول، وتراجع عدد الركاب من 19 ألفا إلى 3 آلاف فقط.
تحركات فلسطينية وإدانات حقوقية
أوعزت وزارة الخارجية الفلسطينية لسفاراتها وبعثاتها بالتحرك العاجل لدى وزارات الخارجية ومراكز صنع القرار لفضح “جريمة” إغلاق معبر الكرامة، والمطالبة بضغط دولي لإعادة فتحه فورا.
وأكدت الوزارة أن الإغلاق يرقى إلى عقوبة جماعية، ويأتي ضمن سياسة الضم التدريجي وتحويل الضفة الغربية إلى “سجن كبير” مطوّق بحوالي 1200 حاجز وبوابة حديدية، مع عربدات المستوطنين المدججين بالسلاح.
من جهته، أدان مركز الدفاع عن الحريات “حريات” القرار، معتبرا أنه انتهاك صارخ للحق في حرية الحركة، وامتداد لسياسة العقوبات الجماعية التي يفرضها الاحتلال منذ 1967، والتي تتسبب بآثار كارثية على حقوق الفلسطينيين في التعليم والعمل والعلاج وحتى أداء الشعائر الدينية.
ليس مجرد ممر
ويرى الباحث وليد حباس من مركز “مدار” أن “جسر الكرامة ليس مجرد معبر حدودي، بل عقدة سياسية- أمنية مركبة”. فهو شريان الحياة الوحيد لثلاثة ملايين فلسطيني، وأداة إسرائيلية للضبط وفق مبدأ “الثواب والعقاب”، إضافة لكونه منفذًا اقتصاديا أساسيا يمر عبره ربع تجارة الضفة.
وأضاف: “يُدار المعبر بثلاثية غير مألوفة: إسرائيل عبر هيئة المطارات، السلطة الفلسطينية عبر هيئة المعابر والحدود، والأردن عبر أجهزته الأمنية. لكن السيادة الحقيقية تبقى بيد إسرائيل التي تتحكم كليا في حركة الفلسطينيين”.
ويخلص حباس إلى أن إغلاق المعبر في 24 أيلول/سبتمبر 2025 لم يكن مجرد إجراء أمني بعد مقتل جنديين، بل رسالة سياسية واضحة بأن مصير الفلسطينيين يظل رهنا بالقرار الإسرائيلي وحده.
ويؤكد: “حتى مشاريع التنمية المقترحة قرب الجسر تبقى رهينة الموافقة الإسرائيلية، ما يجعل التنمية نفسها أداة للهيمنة. بهذا المعنى، يتحول الجسر إلى حجر عثرة أمام أي سيادة فلسطينية، لا مجرد عقبة تقنية”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات