توقيع اتفاقية الدفاع بين السعودية وباكستان هذا الأسبوع أثار بطبيعة الحال عناوين بارزة. البند المركزي فيها، الذي ينص على أن أي هجوماً على إحداهما سيُعدّ هجوماً على الأخرى، بدا كتصريح دراماتيكي – أشبه بنسخة إسلامية للبند الخامس في ميثاق الناتو. لكن تكمن خلف هذا الخطاب المثير معادلة أكثر تعقيداً: الاتفاق لا يغيّر قواعد اللعبة بقدر ما يؤكد خطاً متصلاً من التعاون الوثيق الذي يربط بين الدولتين منذ عقود.
الحضور العسكري الباكستاني في السعودية ليس جديداً؛ منذ ستينيات القرن الماضي درّبت باكستان آلاف الجنود السعوديين، ونشرت وحدات عسكرية على أراضي المملكة في أوقات الأزمات لحماية حدودها. اليوم يتمركز في السعودية ما بين 1500 إلى 2000 جندي باكستاني بمهام تدريب واستشارة وحماية. الاتفاق الأخير إذاً يندرج ضمن هذا السياق التاريخي، ولا يشكل نقطة انعطاف حادة بقدر ما يرسخ ما هو قائم.
في البعد النووي، وهو الأكثر حساسية، يظل الغموض على حاله وربما بشكل متعمد. فالإشارات المتكررة منذ سنوات إلى احتمال وجود “مظلة نووية” باكستانية لحماية السعودية لم تختفِ من الخطاب السياسي، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار الدعم المالي السعودي لإسلام آباد عموماً ولبرنامج تخصيب اليورانيوم الباكستاني خصوصاً. ومع ذلك، الاتفاق الذي نُشر لا يتضمن أي إشارة إلى السلاح النووي. باكستان تؤكد باستمرار أن ترسانتها النووية مخصصة لردع الهند فقط، وليست أداة لمظلة إقليمية. ربما ترى الرياض في باكستان ورقة احتياط نووية مستقبلية، لكن هل ترى إسلام آباد المسألة بالطريقة نفسها؟ جعل التحالف علنياً لا يبدد هذه الأسئلة، بل يضاعفها.
أما توقيت التوقيع فليس محض صدفة، بل يساهم في زيادة القلق الإقليمي. الضربة غير المسبوقة التي نفذتها إسرائيل في قطر، الحليف الأمريكي الوثيق، أثارت هزة في الخليج وعززت الشكوك بشأن مدى اعتماد واشنطن كراعٍ أمني ثابت. بالتوازي، تبدو إيران وإسرائيل في حالة استعداد لمواجهة جديدة، فيما يكثّف الحوثيون في اليمن هجماتهم، وبعض الصواريخ التي أُطلقت نحو إسرائيل سقطت فوق الأجواء السعودية. في هذا المشهد المليء بالتصعيد، تسعى الرياض لتوجيه رسالة واضحة: هي ليست معزولة، بل تقف من ورائها حليفة مسلمة كبرى، قوية وذات قدرات نووية.
التحالف السعودي–الباكستاني: رسالة موجهة لإسرائيل؟
ومع ذلك، لا ينبغي الانخداع؛ فالتحالف الجديد لا يشكّل التزاماً غير مشروط. باكستان أظهرت في السابق – كما في قرارها عام 2015 عدم الانخراط في حرب اليمن – أنها قادرة على رسم خطوط حمراء أمام الرياض حين ترى أن مصالحها الوطنية تفرض ذلك. وبالمثل، السعودية لن تسارع إلى التدخل عسكرياً في نزاع بين الهند وباكستان في كشمير. هذا التحالف هو في المقام الأول إعلان سياسي: إشارة إلى الخصوم، تطمين للرأي العام المحلي، وتذكير للولايات المتحدة بأن دول الخليج تبحث عن بدائل أمنية إضافية.
العلاقات بين السعودية وباكستان شكّلت لعقود نموذجاً للغموض الاستراتيجي: تمويل سعودي سخي، تسهيلات نفطية ودعم اقتصادي متشابك مع روابط أمنية غير معلنة، من دون أن يُترجم ذلك في اتفاقيات علنية. الاتفاق الأخير غيّر الصورة جزئياً، إذ تضمن للمرة الأولى بنداً معلناً حول الدفاع المتبادل. لكن حتى بعد أن انكشف بعض المستور، يظل الغموض قائماً، بل إنه يثير أسئلة جديدة: كيف ستُطبّق الالتزامات في حالة أزمة فعلية؟ ما هو حجم التنسيق العملياتي المرتقب؟ وهل هناك تفاهمات غير مكتوبة بشأن السلاح النووي؟
التحالف لا يقتصر على الردع العسكري وحده، بل يرتكز أيضاً على أبعاد اقتصادية واجتماعية: تسهيلات نفطية، دعم مالي مباشر، ملايين العمال الباكستانيين في السعودية، والمكانة المركزية للحج كعنصر رابط بين الشعبين.
السعودية توجه رسالة صريحة للمنطقة بأنها تملك تحالفاً مع دولة مسلمة نووية ملتزمة بأمنها. هذا الإعلان لا يضع حداً للغموض الاستراتيجي، بل يعززه ويفتح الباب أمام المزيد من التكهنات حول مكانة إسرائيل في معادلة التهديد السعودية. لعقود كانت إيران الخصم الأول للمملكة، وصور الأقمار الصناعية المسربة في الماضي أظهرت أن الصواريخ السعودية موجّهة نحو إيران لا إسرائيل. إلا أن الحرب الجارية وتبادل الضربات بين إسرائيل وإيران يعيدان تشكيل التفكير الاستراتيجي في الخليج على نحو يستدعي انتباه إسرائيل.
من مصلحة إسرائيل أن تبعث برسائل تهدئة لا تهديد، خصوصاً تجاه دول الخليج، في وقت تعاد فيه صياغة معادلات الأمن الإقليمي.
التحالف السعودي–الباكستاني “ناتو بنسخة إسلامية” ورسالة موجهة لإسرائيل

تعليقات الزوار
لا تعليقات