في خضمّ جهود دبلوماسية مكثفة على الصعيدين الداخلي والدولي، تشهد الساحة الليبية حراكًا سياسيًا غير مسبوق بهدف حل أزمة المناصب السيادية وإنهاء حالة الجمود التي تعيق المسار السياسي، وتستعد لجان مشتركة من مجلسي النواب والدولة لعقد اجتماعات حاسمة لمناقشة خارطة الطريق المقترحة من البعثة الأممية، في خطوة تأتي وسط ضغوط متزايدة لتوحيد المؤسسات وإنهاء المراحل الانتقالية.
وأكد عضو المجلس الأعلى للدولة خليفة المدغيو أن اجتماعًا مرتقبًا سيعقد بين لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة لبحث ملف المناصب السيادية، وتحديدًا إعادة تشكيل مجلس مفوضية الانتخابات، وأشار المدغيو في تصريح لقناة الأحرار إلى أن اللجنة ستجتمع يوم الأربعاء، إلى جانب لجنة أخرى شُكّلت خصيصًا لاستكمال هذا الملف الحيوي، كما كشف عن إعداد لجنة المجلس تقريرًا حول خارطة الطريق المقترحة من البعثة، تمهيدًا لعرضه على المجلس في الجلسة المقبلة.
وتأكيدًا على هذا الحراك، صرحت عضو لجنة المناصب السيادية بمجلس الدولة أمينة المحجوب أن اللجنة ستعقد اجتماعًا تحضيريًا يوم الأربعاء، متوقعةً أن يكون أول لقاء مشترك مع نظيرتها من مجلس النواب الأسبوع القادم، وأوضحت المحجوب لشبكة “لام” أن رئيس لجنتهم عبد الله جوان كان قد التقى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وتناقش معه، مما أدى إلى تكليف عقيلة لجنة من ثلاثة أعضاء من البرلمان للتفاوض بشأن المناصب السيادية.
وتتركز النقاشات على مجموعة من الملفات الأساسية التي تعتبر حجر الزاوية في العملية السياسية الليبية، إذ أوضحت أمينة المحجوب أن المناقشات ستشمل تسمية مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات، بالإضافة إلى رئيس ووكيل هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ووكيل هيئة مكافحة الفساد، وتأتي هذه الخطوات في إطار مساعي المجلسين لاستكمال المسار السياسي وفق التفاهمات السابقة، بهدف تهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وإنهاء حالة الانقسام.
وكان المجلس الأعلى للدولة قد صوّت في وقت سابق على سبعة أسماء لشغل منصب رئيس المفوضية، وأحيلت لمجلس النواب في انتظار تسمية البرلمان مرشحين آخرين.
وفي إشارة إلى جدية التحركات، عُقد صباح يوم الثلاثاء بمقر ديوان مجلس النواب اجتماع تمهيدي بين النائبين بدر علي سليمان وعدنان الشعاب، المكلفين من قبل رئيس مجلس النواب بالتواصل مع لجنة المجلس الأعلى للدولة، وذلك بهدف التنسيق والتشاور حول الاستحقاقات الوطنية، وتحديدًا تشكيل مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات والمناصب السيادية، ويأتي هذا الاجتماع ضمن سلسلة لقاءات تهدف إلى تسريع وتيرة العمل على الملفات العالقة، وتعزيز فرص التوافق الوطني بين المجلسين.
من جهة أخرى، أبدى عضو مجلس الدولة محمد امعزب تفاؤلاً حذرًا بشأن سير العمل، مشيرًا إلى أن المجلس شكّل لجنة لدراسة خارطة الطريق التي طرحتها المبعوثة الأممية، لوضع ترتيبات تُعرض في جلسة عامة، وأضاف امعزب في مداخلة على قناة “ليبيا الأحرار” أن اللجنة بذلت مجهودًا كبيرًا وتوشك على إنهاء عملها، رغم وجود بعض الاختلافات في الآراء التي وصفها بأنها ليست فجوة كبيرة، على أن يُعبّر التقرير النهائي عن موقف اللجنة ويُعرض لاحقًا على الجلسة العامة للمجلس، وذكر أن البعثة الأممية حددت شهرَي سبتمبر وأكتوبر كإطار زمني، مع تحديد الأسبوع الأول من ديسمبر كمحطة أساسية لإعادة تشكيل المفوضية والنظر في التعديلات المطلوبة.
ومع ذلك، لا يبدو أن مسار التوافق خالٍ من العقبات، إذ يرى رئيس حزب ليبيا الكرامة، يوسف الفارسي، أن التقارب بين مجلسي النواب والدولة لا يزال غائبًا، وأن الضغط الدولي هو المحرك الرئيسي لمحاولة حسم ملف المناصب السيادية، وفي تصريحات لقناة “المسار”، أكد الفارسي أن التوافق بين عقيلة صالح وتكالة غير موجود، في حين كان هناك توافق نسبي مع رئيس المجلس السابق المشري، وحذر من أنه إذا لم ينجز المجلسان مهامهما خلال شهرين، فإن البعثة الأممية ستلجأ إلى “الخيار الرابع” وهو أمر أصبح خطيرًا للغاية، مؤكدًا على ضرورة التوافق بأي شكل، خصوصًا على المناصب السيادية المتعلقة بالرقابة ومكافحة الفساد ومفوضية الانتخابات.
في سياق متصل، كان المجلس الرئاسي الليبي قد دعا في نيسان / أبريل الماضي مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى سرعة تجاوز خلافاتهما والتوافق العاجل حول تسمية شاغلي المناصب السيادية، تفاديًا لانزلاق البلاد في أزمة جديدة، وأكد المجلس الرئاسي في بيان له على ضرورة أن تتماشى التسميات مع معايير الكفاءة والحياد والشفافية، محذرًا من أنه سيضطر إلى اتخاذ ما يلزم من خطوات لمعالجة هذا القصور، بما يضمن الحفاظ على وحدة الوطن ومؤسساته.
وشدد البيان على أن استمرار حالة الجمود والتأخر في تنفيذ الاستحقاقات الوطنية لن يُقابل بموقف المتفرج، وأعرب المجلس عن قلقه البالغ إزاء أي خطوات أحادية من شأنها أن تنسف حالة الاستقرار النسبي في البلاد، مجددًا حرصه على استكمال تنفيذ خريطة الطريق للحل السياسي الشامل.
جهود دبلوماسية مكثفة على الصعيدين الداخلي والدولي لحل أزمة المناصب السيادية في ليبيا

تعليقات الزوار
لا تعليقات