قدّم سفيان جيلالي، رئيس حزب جيل جديد في الجزائر، استقالته من رئاسة الحزب بعد مسيرة سياسية دامت أكثر من 14 سنة، مبرزًا في طيّات قراره قلقه العميق من تطورات الوضع السياسي العام في البلاد، في ظل ما وصفه بالتضييق المتزايد على الحريات، وإغلاق المجال أمام المعارضة، وتنامي نفوذ السلطة التنفيذية على حساب المؤسسات.
وأوضح جيلالي سفيان في رسالته التي وجّهها إلى مناضلي الحزب وإلى الجزائريين عمومًا، أن هذه الاستقالة لا تعني انسحابه من النضال بقدر ما تمثل انتقالًا إلى مرحلة جديدة يكرّس فيها جهده لمعركة الأفكار، في وقت يرى فيه أنّ الجزائر مقبلة على تحديات جسيمة تتطلب إصلاحات سياسية عميقة، وحوارًا وطنيًا صادقًا يعيد الثقة بين السلطة والشعب.
وفي كلمته، استعاد جيلالي لحظة التأسيس عام 2011، مؤكدًا أنه اعتبر الحزب منذ البداية بمثابة شجرة زرعها مع رفاقه لتثمر يومًا ما، حتى لو لم يشهدوا ذلك بأعينهم. وأوضح أن فكرة جيل جديد كانت تهدف إلى تجديد الممارسة السياسية على أسس من القيم والمبادئ، بعيدًا عن السجالات الإيديولوجية أو الحسابات الضيقة، معتبرًا أن مشروع الحزب كان منذ البداية قائمًا على خدمة الوطن بعمل متماسك وشفاف. وذكّر بأن الحزب اعتمد قاعدة تمنع رئيسه من الترشح لأكثر من عهدتين، وأنه استطاع تكوين إطارات ذات كفاءة عالية، وصاغ مشروعًا مجتمعيًا وبرنامجًا حكوميًا ونصوصًا تنظيمية تعد، حسب تعبيره، نموذجًا في الشفافية.
غير أن رئيس جيل جديد اعتبر أنّ الواقع السياسي في الجزائر لم يسمح بتجسيد هذه القناعات، إذ رأى أن النظام القائم لم يقبل أن تكون الأحزاب السياسية فاعلة ومستقلة، بل حوّلها إلى مجرد ديكور في واجهة سياسية شكلية. واتهم السلطة بالسعي إلى التضييق على الحريات وإغلاق المجال أمام المعارضة، في وقت كان يفترض أن تكون التعددية السياسية أداة لتسيير مجتمع حديث. وأشار إلى أن هذا النهج أفسد كذلك المجتمع المدني، والنقابات، ووسائل الإعلام، وحوّلها إلى أدوات خاضعة، فيما احتكر الجهاز التنفيذي جميع المؤسسات ومنح لنفسه سلطات بلا حدود، حتى متجاوزًا القواعد الدستورية.
وتوقف جيلالي عند وضع العدالة، معتبرًا أنها تحولت إلى ذراع لقمع الاعتراضات وملاحقة من يفضح الفساد أو يطالب بحقوقه، بينما استفحل الفساد ليصبح عامًا وقويًا. وأضاف أن الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور معلقة فعليًا، في ظل واقع يشبه حالة استثناء دائمة. ووصف هذا الوضع بأنه ليس مجرد فشل للحكام وحدهم، بل فشل هيكلي لبنية التنظيم السياسي في الجزائر كلها.
وفي تحليله للأوضاع المستقبلية، أكد أن الجزائر مقبلة على تحديات متزامنة ذات طابع جيوسياسي وأمني ودبلوماسي واقتصادي واجتماعي، ما يفرض إعادة بناء الثقة بين السلطة والشعب وبين القادة أنفسهم. وشدد على أن البلاد بحاجة إلى نظام حكم شرعي وفعّال، قادر على إنهاء الصراعات الداخلية وتصفية الحسابات، والإفراج عن المعتقلين الذين وصفهم بالمظلومين، وفتح المجال السياسي بشكل حقيقي، مع إطلاق اقتصاد إنتاجي يضع حدًا للتبعية والريع. وحذّر من أنّ المجتمع الجزائري يتعرض للتفكك بفعل آفات اجتماعية مثل المخدرات والعنف والفساد والحرقة، ما يضعف التماسك ويهدد مستقبل الدولة.
ويرى جيلالي أن هذه المرحلة التاريخية تتطلب فتح نقاش واسع حول الإصلاحات الضرورية لتجديد وتحديث نظام الحكم، معتبرًا أن الجزائر بحاجة إلى توافق وطني من أجل إعادة تأسيس العمل السياسي. وحمّل من وصفهم ب”أصحاب القرار الحقيقيين” المسؤولية التاريخية عن مصير البلاد، داعيًا إياهم إلى تجاوز الحلول الانتخابية الشكلية التي لا تزيد إلا في العزوف الشعبي، وإلى إطلاق حوار وطني صادق يقود إلى صياغة مشروع مجتمعي في مستوى التحديات. وأوضح أن الإصلاح المنشود ينبغي أن يستند إلى رؤية تنموية مندمجة مستوحاة من المسار التاريخي للبلاد، وأن الهدف ليس تدمير الدولة بل تقويتها عبر بناء دولة قانون تحترم المؤسسات.
وفي استعراضه لمساره السياسي، قال جيلالي إنه قضى 36 عامًا متنقلًا بين العمل والتفكير، معتبرًا أن الجمع بينهما ليس ممكنًا دائمًا في الظروف العملية. وأكد أن الواجب اليوم يقتضي فتح فضاء واسع للتفكير والحوار، يتجاوز الحدود الحزبية، من أجل رسم رؤية لمستقبل الجمهورية، قد تكون أساسًا لعمل إنقاذي. وأشار إلى أنه بقدر ما كان له شرف تأسيس وقيادة جيل جديد، فقد آن الأوان ليفسح المجال أمام قيادة جديدة تمنح الحزب نفسًا جديدًا، بينما يكرّس هو جهده لمعركة الأفكار.
وأعلن في هذا السياق أنه، وفقًا للقانون الأساسي للحزب، فإنه يدعو إلى عقد مؤتمر استثنائي لانتخاب رئيس جديد بمجرد استيفاء الشروط التقنية والإدارية، مؤكدًا أن الفريق الحالي للحزب سيكون قادرًا على رفع التحدي ومواصلة النضال. كما اعتبر أن المناسبة ستكون فرصة للقيادة الجديدة لتعريف نفسها لدى الجزائريين عبر جودة عملها السياسي.
وأنهى جيلالي رسالته بالتأكيد على أنه وإن كان يغادر رئاسة الحزب، فإنه لا يغادر النضال، داعيًا الجميع إلى العمل من أجل استعادة الجزائر لطريق الحرية والعدالة والكرامة، وهو ما يعكس قناعته بأن الاستقالة ليست انسحابًا من الساحة بقدر ما هي انتقال إلى مرحلة جديدة من النضال الفكري والسياسي.
وكان واضحا في مواقف سفيان جيلالي الأخيرة، انتقاده الشديد لمواقف السلطة خاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ومثّل ذلك بمثابة تحول في نظرته بعد فترة أولى تواصل فيها مع الرئيس عبد المجيد تبون وبدا متقاربا مع سياسته قبل أن يبدي خلافا عميقا مع السياسات المنتهجة.
ويمثل سفيان جيلالي، أحد أبرز السياسيين الذين كانوا حاضرين باستمرار في الإعلام والمشهد السياسي، خاصة في فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي كان من أشد معارضيه وشارك في تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي عرضت خلال العهدة الرابعة على السلطة انتقالا متفاوضا عليه، قبل أن يأتي الحراك الشعبي سنة 2019 ويوقف مشروع بقاء بوتفليقة في الحكم.
تعليقات الزوار
لا تعليقات