شهدت الدورة الستون لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نقاشاً ساخناً حول مخاطر استغلال الشعارات الحقوقية لتبرير العنف وتجنيد الأطفال في مناطق النزاع، وذلك خلال ندوة جانبية رفيعة المستوى نظمها المركز المعني بالوقاية من تجنيد الأطفال ومقره الداخلة، بشراكة مع جامعة "SSBM" بجنيف.
وشارك في الفعالية التي حملت عنوان "الخط الرفيع بين حقوق الإنسان والإرهاب في النزاعات المسلحة المعاصرة"، خبراء دوليون وأكاديميون وممثلون عن المجتمع المدني، وركزت بشكل خاص على الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها جبهة بوليساريو داخل مخيمات تندوف.
عسكرة المخيمات وتضليل الرأي العام
وفي كلمته الافتتاحية، شدد الدكتور عبدالقادر الفيلالي رئيس المركز، على أن جماعات مسلحة في مقدمتها بوليساريو "تستولي على الخطاب الحقوقي وتستخدمه غطاء لتبرير ممارساتها، خصوصاً تجنيد الأطفال والزج بهم في صراعات إيديولوجية".
وأشار الفيلالي إلى أن هذه الجماعات توظف برامج ظاهرها إنساني مثل ما يُعرف بـ"عطل في سلام"، لكنها في الواقع منصات لاقتلاع الأطفال من بيئتهم الطبيعية وتلقينهم عقائد سياسية، مضيفاً أن إرسال القاصرين إلى كوبا تحت غطاء بعثات تعليمية ليس سوى شكل آخر من أشكال الاستغلال السياسي والإنساني.
شهادات صادمة ومعطيات موثقة
وخلال النقاش، قدمت مؤسسة إليزكا ريليف (Elizka Relief) شهادة صادمة، كشفت عن تجنيد ما يزيد على 8 آلاف طفل داخل مخيمات تندوف الواقعة جنوب غرب الجزائر. وأكدت المؤسسة أن ما يجري لا يمكن اعتباره مجرد تجاوزات، بل "جرائم ضد الإنسانية" تستوجب مساءلة دولية صارمة.
كما حذّر المشاركون من خطورة عسكرة المخيمات وتحويلها إلى فضاءات مغلقة للتلقين العقائدي، في ظل غياب أي رقابة دولية فعلية، مؤكدين أن بوليساريو تسعى عبر خطاب موجه للرأي العام الغربي إلى تلميع صورتها، متجاهلة الانتهاكات الجسيمة التي تطال سكان المخيمات وخاصة الأطفال.
دعوات إلى تحرك دولي
وخلصت الندوة إلى ضرورة وضع خطوط توجيهية للمنظمات الإنسانية العاملة في مناطق النزاع، وإنشاء فريق متابعة دولي مختص بمراقبة وحماية الأطفال من التجنيد القسري. كما أوصى المشاركون بتفعيل آليات أكثر صرامة داخل منظومة الأمم المتحدة للتثبت من صحة المزاعم التي تروّجها الجماعات المسلحة.
ويؤكد خبراء أن استمرار هذه الانتهاكات منذ عقود يعكس غياب الإرادة لدى جبهة بوليساريو في احترام القوانين الدولية، مقابل سعيها الدائم لتضليل الرأي العام العالمي بشعارات "المقاومة" و"الحرية" و "التحرر" في وقت يواجه فيه آلاف الأطفال في تندوف مستقبلاً غامضاً تحت رحمة العسكرة والحرمان من أبسط حقوقهم.
ومنذ تأسيسها في سبعينات القرن الماضي، سعت جبهة بوليساريو إلى تسويق نفسها كحركة تحرر وطني من أجل كسب الشرعية في المحافل الدولية واستمالة الرأي العام العالمي.
واستندت في ذلك إلى الخطاب الثوري الذي كان سائداً خلال فترة الحرب الباردة، حيث كان يُنظر إلى حركات التحرر على أنها مقاومة مشروعة للاستعمار، غير أن هذا الخطاب تحوّل مع مرور الوقت إلى أداة تضليلية استُعملت للتغطية على ممارسات تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان، مثل احتجاز آلاف الصحراويين في ظروف مأساوية داخل مخيمات تندوف، وحرمانهم من حرية التنقل والاختيار، إضافة إلى تجنيد الأطفال واستغلالهم في الدعاية السياسية والعسكرية.
روابط مع الإرهاب والجريمة المنظمة
وتوقف المشاركون في الندوة عند بُعد آخر لا يقل خطورة: ارتباطات بوليساريو بشبكات الإرهاب والجريمة المنظمة في الساحل الإفريقي، فقد أظهرت تقارير أمنية أممية وإقليمية أن عناصر من الحركة متورطون في تهريب السلاح والمخدرات والبشر عبر الصحراء الكبرى، وأن بعض كوادرها نسجوا علاقات مع جماعات متطرفة مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وداعش-الصحراء الكبرى.
وهذا التداخل بين الأجندة السياسية المعلنة تحت شعار "التحرر الوطني" والأنشطة غير المشروعة، وفق الخبراء، يضع بوليساريو في خانة التنظيمات الهجينة التي تستغل المخيمات كبؤر للتجنيد والتلقين، وفي الوقت ذاته كممرات للتهريب وتمويل أنشطتها.
ولعقود ظلت بعض الدول تنظر إلى بوليساريو كحركة تحرر وطني بفعل خطاب المظلومية وبحكم روايات مضللة وعمليات خداع دعمتها الجزائر لترسيخ هذا الكيان غير الشرعي ووفرت له الغطاء لاعطاء دفع لما تسميه "تقرير المصير".
لكن مع الحراك الدبلوماسي المغربي المكثف ومع مقاربة هادئة لإنهاء النزاع المفتعل وأخرى للتنمية سبيلا للأمن والاستقرار في المنطقة، بدأت رواية الجبهة الانفصالية تتلاشى واكتشفت العديد من الدول التي كانت تدعم الطرح الانفصالي، حجم ما تعرضت له من خداع وتضليل.
وأعادت تلك الدول مراجعة موقفها وأعلنت إما تجميد العلاقات مع بوليساريو أو أعلنت رسميا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلا وحيدا وواقعيا للنزاع المفتعل.
تعليقات الزوار
لا تعليقات