اهتم جزء من الإعلام الوطني بالحضور النسوي الذي ميًز آخر حكومة جزائرية، بعد وصول عدد الوزيرات المعينات داخلها – بمن فيهم كاتبات الدولة – إلى تسع نساء، لنكون امام اكبر حضور نسوي في تاريخ الجزائر السياسي.. حضور لم يكسر رغم ذلك قواعد التعيين المعروفة، التي ما زالت تصر على تخصيص منصب كتابة الدولة للمرأة، وهي تمنح لها قطاعات خدماتية واجتماعية، ما زالت من اختصاص المرأة الجزائرية في الغالب، تعكس النظرة النمطية السائدة لدى صاحب القرار ابن الثقافة الذكورية، للمرأة وهي تدخل مجال العمل السياسي، حتى إن كانت صاحبة تأهيل عالٍ، كما تؤكده حالة نساء حكومة سيفي غريب الأخيرة، التي ارتبط الإعلان عنها بظرف سياسي وأمني مضطرب، ما زال النظام السياسي الجزائري يعاني منه، لا يمس الحكومات فقط، بالتغييرات الكثيرة التي تدخل عليها كل مرة، بل مؤسسات الدولة العميقة ذاتها التي غاب الاستقرار عنها.
عدم استقرار يتأكد ونحن نلاحظ الحركة التي ميزت منصب رئيس الوزراء -استهلك الرئيس تبون أربعة منهم منذ وصوله لرئاسة الجمهورية في 2019- جراد، بن عبد الرحمن، العرباوي وسيفي غريب – بعدد أكبر من الحكومات – ستة بالضبط – نتيجة التغييرات التي أدخلت كل مرة على الهيئة التنفيذية، التي لم تعرف الاستقرار السياسي لحد الساعة. عكس نوعا من الاستقرار في المعطى الجهوي، الذي يظهر من خلال احتكار أبناء الشرق الجزائري لهذا المنصب، في إطار التقسيم الجهوي للسلطة، بعد وصول الرئيس تبون ابن المنطقة الغربية إلى رئاسة الجمهورية.
حكومات عرفت بروز وجوه جديدة كل مرة، اعتمدت فيه على تكنوقراطية وبيروقراطية ناشئة متخرجة في الغالب من الجامعات الجزائرية، التي تكفلت منذ مدة بمد الطبقة السياسية بما تحتاجه من كفاءات، تميزت بتأهليها العالي، ونحن نعاين الشهادات المتحصل عليها، كما يظهر عند الوزيرة قبل الوزير، في غياب واضح للبعد السياسي الحزبي، أكدته حكومة سيفي غريب بشكل، لا لبس فيه، سيزيد حتما من إعاقة التجربة الحزبية، الضعيفة أصلا، في الحالة السياسية الجزائرية، في وقت تتأهب فيه الجزائر للدخول في انتخابات تشريعية -2026- ابتعد عنها المواطن، نتيجة التصحر الذي تعيشه الحياة السياسية بعد مرحلة ما بعد الحراك، لم تعد تهم إلا شللا صغيرة حاضرة على رأس قيادة الأحزاب، رغم ما قد تفرزه من اهتمام لدى بعض الفئات الاجتماعية في المناطق الريفية الداخلية، التي ما زالت تجندها قيم سياسية تقليدية كالانتماء القبلي – عروش، والعائلي الذي يتم تحفيزه بمناسبة هذه الانتخابات، التي لم يعد يهتم بها في المقابل أبناء المدن الكبرى والمتوسطة، بعد تأكد الوجه الشاحب الذي كرسته التجربة البرلمانية بعد المصادقة على دستور 2020. نتيجة التقلص الكبير في صلاحيات المستوى التشريعي لصالح التنفيذي، الذي استولى عليه رئيس الجمهورية، على حساب منصب رئاسة الوزراء، الذي تحول إلى موقع باهت من دون أي بريق.
رغم هذا التقلص في صلاحيات الهيئة التنفيذية، إلا أن منصب الوزير ما زال محل اهتمام وإعجاب كبيرين لدى الكثير من الجزائريين، الذين ما زالوا ينظرون للوصول إلى موقع الوزارة كجزء من مسار مهني عادي، حتى عندما يكون هذا المسار غير مرتبط بالعمل السياسي كما هو حال الكثير من الجامعيين والصحافيين وبعض فئات التسيير الأخرى. طموحات لم يعرف النظام السياسي الجزائري كيف يتعامل معها بشكل إيجابي، من خلال فتح المجال السياسي التنافسي أمام هذه الفئات، التي أنتجها انتشار التعليم الجامعي بشكل واسع، استفاد منه الكثير من الفئات الاجتماعية، بما فيها تلك الفقيرة، التي كانت تقليديا مبعدة عن مراكز القرار السياسي. عكس بعض العائلات الممثلة لبعض الأوساط الاجتماعية، أكدت حضورها في إنتاج النخبة السياسية، كما ظهر مع حكومة سيفي الأخيرة ابن تبسة الذي يتشابه اسمه العائلي مع اسم رئيس الحكومة الأسبق 1994-95 – مقداد سيفي – لم يهتم الإعلام الوطني بهذا التشابه في الأسماء، الذي قد يكون مؤشرا عن قرابة عائلية محتملة، تتأكد بشكل لا لبس فيه في حالة وزير الصحة أستاذ الطب آيت مسعودان محمد الصديق، ابن وزير الصحة الأسبق سعيد آيت مسعودان، الذي احتل الموقع نفسه في سنة 1977، في آخر حكومة للرئيس بومدين. ضمن مسار عسكري أنجزه منذ فترة ما قبل الاستقلال ـ أول طيار من أبناء جيش التحرير –
لنكون بذلك أمام أول حالة في تاريخ الجزائر السوسيو – سياسي لوزير ابن وزير، وفي القطاع نفسه. ليس غريبا عن أبناء منطقة القبائل التي تميزت كمنطقة بإنتاجية نخبوية كبيرة، إذا عرفنا نوعية التحولات التي عاشتها هذه المنطقة التي تميز أبناؤها بالهجرة خارج ترابها، كما كان الحال مع عائلة آيت مسعودان، التي اتجهت للإقامة في ولاية الجلفة شبه الصحراوية – بلدية حد الصحاري ـ زيادة على انتشار كبير للتعليم بين أبنائها، كما تؤكد حالة الابن الوزير أستاذ الطب -تخصص امراض القلب – والأب الطيار- من مواليد1933- ابن منطقة واصيف -بني صدقة، دائرة عين الحمام بولاية تيزي وزو. ليتأكد من خلال هذه الحالة ما لاحظته شخصيا في دراسات سابقة لدى عائلات جزائرية أخرى، استطاعت أن توصل فيها الأخ والأخت وابنة العم والزوج والزوجة إلى الحكومة في فترات متقاربة، كما كان الحال مع عائلات زرهوني – تلمسان، منتوري – ميلة وزرداني – أم البواقي وياكر- تيزي وزو، حالات أكدت التراكم النخبوي الذي أنجزته بعض الأوساط الاجتماعية في الجزائر، ضمن حالة وطنية عرفت الكثير من أوجه القطيعة، وهي تقوم بإنتاج نخبها السياسية، ضمن حالة استعمار استيطاني طويل، عرقلت هذا التراكم السوسيولوجي. المصاهرة التي تكون قد قامت بها هذه العائلة على مستوى جيل الوزير أستاذ الطب، قد تزيد في تأكيد فرضية التحولات النوعية التي تعيشها بعض الأوساط المنتجة للنخبة الوزارية في الجزائر، إذا صدقنا ما تداوله الاعلام الوطني وهو يتكلم عن المصاهرة بين عائلتي آيت مسعودان ومدين – الرجل القوي ومدير المخابرات الأسبق – على مستوى جيل الوزير أستاذ الطب. الذي يكون قد جدد وهو يحافظ على تقاليد هذه الأوساط، التي تفضل الزواج مع بنات الوسط العائلي – الجهوي نفسه، حتى وهي تهاجر خارج منطقتها الأصلية، كما فعل الأب آيت مسعودان ذاته والجد قبله، في هذا الوسط العائلي القبائلي المحافظ المعروف بتدينه التقليدي.
ناصر جابي
تعليقات الزوار
لا تعليقات