أخبار عاجلة

تعرف على شواطئ الجزائر في بطاقات بريدية مع مطلع كل صيف

كل عام، ومع مطلع الصيف، نصادف صورا أو ومضات إعلانية عن شواطئ الجزائر. ومن خلال التطلع إليها نشاهد شواطئ برمال ذهبية، وكذلك مياه زرقاء في غاية الصفاء. وهي صور حقيقية، يجري التقاطها من عين المكان، كما إن الومضات التي ترفقها تستحق المشاهدة. فقد تطورت أساليب الترويج للسياحة، وصار المصورون يستخدمون الطائرات المسيرة في تصوير المشاهد من الأعلى، كما إنهم يلتقطون المشهد من أكثر من زاوية. فالجزائر تتوافر على إمكانات جذب سياحي، ومن شأنها استقطاب من يرغب في قضاء أسبوع إجازة أو أكثر، ومن يرغب في السباحة أو التخييم، فيها أمكنة تليق أن يقصدها الناس، قصد تناسي مشاغل يومهم أو تناسي مشقة العمل.
كما إنها تتيح تنوعا في المناظر، من بحر وجبل وسهل وصحراء. بالمقابل، نصادف أرقاما تتعدى عشرات الآلاف، من جزائريين يفضلون قطع الحدود صوب تونس، لقضاء إجازتهم أو تمضية شهر من أشهر الصيف. هذا الأمر يجعل السؤال مشروعا: ما هي فائدة هذا الخزان السياحي في البلد، بينما الناس يفضلون الذهاب إلى بلد شقيق؟ يصرفون فيه مالهم ووقتهم. ما هي فائدة هذه الشواطئ وهذا البحر بحكم أن المواطن صار يفكر في الانعطاف إلى تونس بدل الجزائر؟ هل هي رغبة منهم في التغيير فحسب؟ الإجابة بالنفي، لأن عددا معتبرا ممن يذهبون إلى تونس، سبق لهم زيارتها، ويعرفونها، بل يصرون على العودة إليها. يفضلون الاصطياف في بحرها، بدل بحر بلدهم. هل الخلل إذن في الجزائر؟ في عدم قدرتها على إقناع بعض مواطنيها في قضاء إجازتهم فيها؟ أم الخلل في أمر آخر؟
من الأشياء العسيرة في الجزائر، التي عجزت عن الإقلاع، على الرغم مما نسمعه كل عام من وعود، ومن شعارات ومن خطابات، هي الحالة المتعسرة التي يحيا فيها قطاع السياحة، ومع مطلع كل صيف، نشاهد نشرات الأخبار ونصغي إلى عناوينها الرئيسية التي تتحدث عن الاستعدادات إلى موسم صيف أفضل من سابقه. تتحدث نشرات الأخبار كذلك عن ترقب وصول الآلاف، بل ربما أكثر. هل يقصدون وصول الآلاف من السياح؟ كلا.. بل يقصدون وصول الآلاف من المغتربين. ولا نعرف كيف يجري تصنيف مغتربين في خانة السياح. يستغل جزائريون يقيمون في فرنسا أو إسبانيا أو إيطاليا، إجازة الصيف بغرض زيارة أهاليهم، لكن هناك من يتحدث عن الأمر كأنه وصول قوافل من السياح.

أليس من الأصح القول إنهم عادوا إلى بلدهم؟ هل إقامتهم في الخارج، التي حتمتها ظروف العمل، تعني أنهم صاروا سياحا حين يعودون في زيارة أهلهم؟ هذه واحدة من المغالطات، التي تتكرر في كل مرة، ولا نعرف كيف نشفى منها. فالجزائر لا تعاني ندرة في مواد أو قطع غيار فحسب، بل كذلك ندرة في السياح. وعندما نقول إن عشرات الآلاف من الجزائريين يفضلون الصيف في تونس، لأن تونس تستقطب كذلك سياحا من جنسيات غربية أخرى، لكنني كجزائري، لم يسبق لي أن شاهدت تهافتا للسياح الأجانب في بلدي، مثلما يحصل في الجارة تونس. نحن ننتظر عودة المغتربين ونقدمهم بوصفهم سياحا، وأين الأجنبي في المعادلة؟ لماذا لا يأتي الفرنسي أو الإسباني أو الألماني؟ بل أطالع الكثير من التعليقات، على السوشيال ميديا، من أوروبيين يرغبون في زيارة الجزائر، لكن تواجههم مشكلة التأشيرة؟ تواجههم مشكلة الفنادق، التي لا تتعامل ببطاقات إئتمان، بل تطلب من السائح الوصول ثم الدفع نقدا، بالإضافة إلى مشاكل أخرى يطول شرحها، ما يحول الجزائر إلى قبلة ـ لا منازع لها ـ في السياحة الداخلية فحسب، وشواطئها مثل بحرها تظل صورة بريدية، نستمتع بالنظر إليها، مثلما يتمتع الأجنبي بالتحديق إليها، لكن لا يتاح له الوصول إليها.
عندما ينتهي الصيف، ندرك أن الوعود التي سمعناها، عن موسم اصطياف يفوق العادة، ذهبت مهب الريح، وأن الومضات الإشهارية التي يحشد لها كل عتاد في التصوير، إنما كانت للفرجة وليس من أجل كسب سياح أجانب. وأن ما يحصل لم يكن سوى زيارة من مغتربين، ممن نعرفهم ويعرفوننا، جاؤوا في زيارات من أجل أهاليهم أو من أجل قضاء حاجاتهم، ولكن جرى الترويج لهم على أنهم سياح. هكذا هو الحال كل عام.
وكل عام كذلك يقضي الجزائري وقته في النظر إلى نفسه في مرآة. يرى فيها وجهه وكذلك وجوه من يعرفهم. لا يختلط بالأجانب لأنهم لا يأتون إلينا، ومن جهتنا نحن لا نسافر إلى بلدان الأجانب نظرا إلى تعقيدات التأشيرة مرة أخرى. السفر إلى الخارج صار من الأحلام الجزائرية، لم يعد بلد متاح عدا تونس. أما التفكير في واحد من البلدان الأوروبية فقد صار ضربا من الخيال. يدفع الجزائري أموالا قصد الظفر بتأشيرة ثم يخرج من القنصليات خالي الوفاض. ولهذا السبب كذلك يفضل عشرات الآلاف من المواطنين السفر إلى تونس. فهناك سوف يصادفون أجواء اصطياف بمعنى الكلمة. يقابلون فيها مصطافين أجانب، من ألمانيا أو من بلاد إسكندنافية.
ما فائدة أن يقطع جزائري مئات الكيلومترات، في الانتقال من مدينة جنوب البلاد إلى أخرى في الساحل، وفي الختام يجد نفسه في مجالسة جار له أو صديق؟ سوف يشعر كمن صرف مالا بلا طائل. لأنه صادف وجوها يعرفها. غيّر المكان من دون أن يغير الجو. هذا الوضع الذي تحيا فيه البلاد، يجعل الناس يحنون إلى الماضي. يبدو أنهم لم يشفوا من حنينهم إلى ما سبق. نسمع في أحاديثهم: «كانت الجزائر قبلة للسياح». دائما بصيغة الماضي. كأننا نبكي على أطلال. لأن الحاضر صار مناقضا لما عشنا فيه أو ما عرفه من سبقونا. والحاضر كذلك صارت تملأه صور شواطئ نتمتع بمشاهدتها، لكن سرعان ما ندرك غياب عنصر حاسم فيها: غياب السائح الأجنبي. وعود بموسم اصطياف غير معتاد تنتهي دائما بموسم اصطياف داخلي. لأن بحر الجزائر لا يعج سوى بالجزائريين. بحر تتعدد ألوانه في صور بريدية، لكنه حكرا على أهل البلد، ولا يزال ينتظر وصول الأجانب.

سعيد خطيبي 

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات