تفجّر خلاف مفاجئ بين حزبي جبهة التحرير الوطني وصوت الشعب، المحسوبين على الموالاة في الجزائر، وذلك في توقيت سياسي أعقب الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي تم الاعتماد فيها بشكل شبه كامل على الشخصيات التكنوقراطية.
وجاءت هذه النيران الصديقة، بعد تصريحات مثيرة لرئيس حزب صوت الشعب محمد لمين عصماني انتقد فيها الأحزاب التقليدية، وفي مقدمتها جبهة التحرير ملمحا إلى أنها فقدت وزنها السياسي في المشهد الوطني. وقد أثار هذا الموقف ردا قويا من الكتلة البرلمانية لجبهة التحرير الوطني التي أصدرت بيانا شديد اللهجة اعتبرت فيه أن عصماني تهجم بطريقة غير مسؤولة على الحزب العتيد ونوابه، وحاول افتعال جدل للظهور الإعلامي.
ورأت الكتلة أن رئيس صوت الشعب لم يقدم خلال عهدته البرلمانية السابقة أي مبادرة أو اقتراح جاد يخدم الوطن والمواطن، وأنه بعد فشله في لعب دور سياسي فعّال لجأ إلى الشعبوية ومهاجمة جبهة التحرير الوطني بحثا عن شرعية سياسية. كما اتهمت الحزب بأنه مجرد “ختم انتخابي” يفتقر إلى قاعدة شعبية ورؤية وطنية، معتبرة أن اللجوء إلى الإساءة لجبهة التحرير يعكس إفلاسا سياسيا وعجزا عن تقديم بدائل حقيقية للجزائريين.
وشدد البيان على أن حزب جبهة التحرير الحالي هو الامتداد الشرعي والوريث التاريخي لجبهة التحرير التي فجرت ثورة أول تشرين الثاني/نوفمبر 1954 وقادت الشعب نحو الاستقلال في 1962، وهو مدرسة وطنية أنجبت رجال الدولة وصنّاع القرار وأسست مؤسسات الجمهورية.
وأكدت الكتلة أن محاسبة الحزب وتقييم أدائه شأن داخلي يقوم به مناضلوه داخل هياكله الشرعية، لا من أطراف تبحث عن شرعية عبر مهاجمته. وذكّرت بأن عشرات الأحزاب اندثرت بعد محاولتها منافسة جبهة التحرير، بينما بقي الحزب العتيد راسخا في وجدان الجزائريين ورقما صعبا في الساحة السياسية.
وختمت الكتلة بيانها بالتأكيد على وفائها لمبادئ أول نوفمبر وتمسكها بدورها كدعامة أساسية للدولة الجزائرية، وتعهدت بالدفاع عن مصالح الشعب داخل البرلمان بعيدا عن ما وصفته بـ”الأصوات الهامشية” الباحثة عن حضور إعلامي مؤقت.
وكان محمد لمين عصماني رئيس صوت الشعب، قد صرح في ندوة صحافية بأن الجزائر لم تعد تعرف أحزابا كبيرة أو صغيرة، وأن لا وجود للأفالان (جبهة التحرير الوطني) ولا للأرندي (التجمع الوطني الديمقراطي) في المشهد الحالي، مضيفا أن كل الأحزاب فقدت قيمتها السياسية.
وانتقد عصماني طريقة عمل المؤسسة التشريعية التي تعد جبهة التحرير الأكثر تمثيلا فيها، قائلا إن القوانين المهمة مثل قانون البلدية تتم مناقشتها في اللحظات الأخيرة قبل المواعيد الانتخابية، وهو ما اعتبره دليلا على خلل يجب معالجته.
ورغم خطابه الانتقادي، سبق لحزب صوت الشعب أن أعلن في حزيران/ يونيو 2024 دعمه الكامل للرئيس عبد المجيد تبون ودعاه إلى الترشح لعهدة ثانية، حيث أكد عصماني حينها أن هذا الموقف نابع من قناعة وليس من خوف أو مجاملة، مشددا على أن الحزب مستعد لمرافقة الرئيس في إنجاح برنامجه.
ورغم تمتعه بأغلبية مطلقة مساندة في البرلمان، فضّل الرئيس عبد المجيد تبون الاعتماد على حكومة تكنوقراطية يقودها سيفي غريب في التعديل الحكومي الأخير. وبحسب الأسماء المعلن عنها، احتفظ الرئيس بوزراء اعتبروا ركائز في تسيير ملفات حساسة مثل وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، ونائب وزير الدفاع السعيد شنقريحة، ووزير التجارة الخارجية كمال رزيق، ووزير السكن بلعريبي، ووزير المحروقات والمناجم محمد عرقاب.
ولا تبدي أحزاب الموالاة احتجاجا على هذه الخيارات بحكم أن التعيين من صميم صلاحيات الرئيس. لكن بعض الأصوات المعارضة مثل النائب عبد الوهاب يعقوبي كانت قد انتقدت ما وصفته بغياب التشاور مع الأحزاب والنواب في عملية تشكيل الحكومة، بحكم أن ذلك “يُفرغ العمل السياسي من معناه ويحوّل الانتخابات إلى مجرد إجراء شكلي”. وأثار النائب أيضًا مسألة دور الأحزاب الداعمة للسلطة، متسائلًا عن جدوى وجودها إن لم تكن برامجها مطبقة أو معتمدة في السياسات العمومية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات