أخبار عاجلة

تعيين لوكورنو رئيسا للوزراء قد يعتبر فرصة لإدارة العلاقة بين فرنسا والجزائر

 شهدت العلاقات الفرنسية-الجزائرية، التي لطالما كانت محكومة بذاكرة الاستعمار والقضايا التاريخية، حالة من التوتر المتصاعد منذ عام 2024. وقد تفاقمت الخلافات بسبب مواقف سياسية متباينة حول قضايا إقليمية كقضية الصحراء الغربية، بالإضافة إلى أزمات قنصلية وأمنية أدت إلى تدهور قنوات الثقة والتعاون العملي. وفي خضم هذه الأزمة، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون في 9 سبتمبر 2025 عن تعيين سيباستيان لوكورنو رئيساً للحكومة، وهو تعيين يحمل في طياته دلالات مهمة قد تؤثر بشكل حاسم على مسار التوتر الراهن.

وتعيين لوكورنو، الذي شغل سابقاً حقيبة القوات المسلحة، يمنحه خلفية أمنية وسياسية واضحة وقرباً من دوائر القرار في الملفات الإقليمية. وبناءً على هذه الخلفية، يمكن قراءة تعيينه من خلال ثلاث مسارات محتملة تحدد مستقبل العلاقة بين باريس والجزائر. يمثل المسار الأول "النهج العملي-الأمني"، حيث يمكن للوكورنو، بصفته مهندساً للتعاون الدفاعي، أن يركز على استمرار التعاون الاستخباراتي والعملياتي، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. هذه المقاربة الفنية قد تبقي نتائج التعاون فوق مستوى الاحتكاك السياسي، مما يحدّ من تدهور الوضع الأمني الإقليمي ويُجنّب البلدين مزيداً من الانسداد.

أما المسار الثاني فيتمثل في "مخاطرة التصعيد الرمزي". فإذا ما رافق تعيين لوكورنو إجراءات رمزية أو عقابية، مثل فرض المزيد من القيود على التأشيرات، فإن الجزائر قد تفسر ذلك كرسالة ضغط مباشرة. التجارب السابقة من عامي 2024 و2025 أظهرت أن الردود المتبادلة تُطيل أمد الأزمة وتُعطّل قنوات التعاون الأمني والاقتصادي الحيوية. هذا المسار قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد غير المرغوب فيه من قبل الطرفين.

في المقابل، يتيح المسار الثالث "هامشاً دبلوماسياً لتقليل الاحتكاك"، وهو يعتمد على فصل الملفات الشائكة عن الأجندة الفنية قصيرة المدى. يمكن للوكورنو أن يقود مجموعات عمل متخصصة تركز على قضايا مثل الهجرة، والطاقة، والأمن البحري، مما يتيح إحراز تقدم تقني بعيداً عن التعقيدات السياسية. هذا المسار يتطلب تنسيقاً رئاسياً فرنسياً ودعماً كاملاً من قصر الإليزيه، بالإضافة إلى مرونة جزائرية تمنع تصاعد الخلافات إلى مستويات رمزية.

إن العوامل التي ستحسم مسار العلاقة تتجاوز شخصية لوكورنو. فقدرته على إدارة الملف ستتأثر بمدى الدعم الذي يحظى به من الرئيس ماكرون، وبتأثير الضغوط الداخلية الفرنسية، سواءً كانت برلمانية أو شعبية، والتي قد تقيد خياراته. كما أن استجابة الجزائر ستكون حاسمة؛ فهل ستتعامل بشكل تقني مع القضايا، أم ستفضل الردود الرمزية التي تزيد من حدة الأزمة؟ يضاف إلى ذلك البُعد الإقليمي، حيث إن تعطّل التعاون بين البلدين قد يضر بجهود الاستقرار في منطقة الساحل ويفتح المجال لارتباطات إقليمية بديلة.

وفي سبيل تحقيق الانفراج، يُوصى بتبني برنامج فني مشترك في غضون 100 يوم يركز على القضايا الحيوية كالأمن، الهجرة، والطاقة. كما يجب فتح قناة رئاسية مغلقة لمعالجة القضايا القنصلية والذاكرة، وإشراك شركاء أوروبيين كضمانة لإطار عمل مستقر. يمكن كذلك تشجيع التبادل الثقافي والمدني لتخفيف الاحتقان الشعبي ومنع استغلال الأزمات لأهداف داخلية.

ويمثل تعيين سيباستيان لوكورنو فرصة لإدارة العلاقة بين فرنسا والجزائر بمنطق عملي وأمني يركز على المصالح المشتركة، لكنه ليس حلاً سحرياً للعُقد التاريخية المتجذرة. إن الانفراج أو التدهور في هذه الأزمة سيعتمد بشكل أساسي على الخيارات التنفيذية لكلا البلدين، وعلى مدى استعدادهما لوضع المصالح المشتركة فوق حسابات الردود الرمزية التي لا تخدم أحداً.

وهذا التعيين قد يُحدث تحولاً محتملاً في علاقات باريس مع الجزائر، ربما نحو سياسة أكثر مزيجاً من المطالبة والمراجعة والدبلوماسية، بدلاً من الانفعال فقط أو الجمود. لكن نجاح أي تغيير سيعتمد بشكل كبير على قدرة الطرفين على إدارة التوتر، وموازنة المصالح الأمنية والسياسية، والاعتراف بالحساسية التاريخية والقومية التي تلعب دورًا كبيرًا في العلاقات بين البلدين.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات