تلقت حكومة باماكو ضربتين دبلوماسيتين قاسيتين تلقتهما في المحافل الدولية، متزامنتين مع تدهور أمني غير مسبوق، لم يعد مقتصراً على التهديدات الجهادية.
فقد تمدد هذا التدهور ليشمل قطاع الطرق وسرقة الماشية والسطو المسلح، وسط عجز الجيش المالي وحليفه “فيلق إفريقيا” الروسي عن حماية المدنيين وتأمين القرى والمحاور الحيوية.
وبعثت جبهة تحرير أزواد برسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وقعها عبد الكريم أغ متافا المسؤول عن الإدارة والممثليات في المكتب التنفيذي لجبهة تحرير أزواد، أكدت فيها أن قضية أزواد “مسألة إنهاء استعمار غير مكتملة مؤجلة منذ 1960”.
وطالبت الجبهة المجتمع الدولي “بالاعتراف بحق شعب أزواد في تقرير المصير”، مؤكدة “أن الشعب الأزوادي الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، منذ الحضارات القديمة وحتى العصر الحديث، يواصل اليوم نضاله من أجل البقاء والثقافة والحرية”.
وجاء في الرسالة “أن أزواد الواقع عند ملتقى شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، يحمل إرثاً تاريخياً وحضارياً تشهد له الروايات التقليدية والكتابات القديمة والآثار الأركيولوجية، ومع ذلك، ورغم هذا التراث الغني، فإن الشعب الأزوادي ما يزال ضحية لعملية إنهاء استعمار غير مكتملة منذ عام 1960، ويعاني من التهميش والعنف ومحاولات طمس الهوية”.
وأكدت الرسالة “أن حق شعب أزواد في تقرير المصير والحرية ليس مطلباً جديداً، بل يستند إلى صكوك قانونية دولية وإفريقية متعددة، بدءاً بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مروراً بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن منح الاستقلال للشعوب المستعمَرة ومبادئ العلاقات الودية، وصولاً إلى العهدين الدوليين والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي”.
وترى الجبهة “أن هذه المرجعيات مجتمعة تؤكد حقاً مشروعاً وأبدياً لشعب أزواد في تقرير مصيره”.
وأضافت الرسالة “أن أزواد منذ استقلال مالي عام 1960 وُضع تحت سلطة أنظمة وصفتها بالمعادية، انتهجت سياسة الإقصاء والقمع وحولت أرض الإقليم إلى ساحة حرب دائمة”، معتبرة “أن هذه الانتهاكات الممنهجة، والتي تتم أحياناً بدعم من قوى أجنبية، تشكل خرقاً فاضحاً للمبادئ المؤسسة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي”.
وطالبت جبهة تحرير أزواد “الأمين العام للأمم المتحدة بالاعتراف بقضيتها كمسألة إنهاء استعمار غير مكتملة تدخل ضمن صلاحيات المنظمة، وإنشاء بعثة أممية خاصة مكلفة بحماية المدنيين ورصد وضعية حقوق الإنسان في الإقليم، إضافة إلى إطلاق عملية دولية تمكّن الشعب الأزوادي من ممارسة حقه في تقرير المصير بحرية ضمن حدوده التاريخية السابقة للاستعمار الفرنسي عام 1893”.
وفي المقابل، تقدمت احكومة مالي بشكوى رسمية ضد أوكرانيا، متهمة إياها بتسليح ودعم جبهة تحرير أزواد، ووصفت الحركة بأنها “منظمة إرهابية”. غير أن الأمم المتحدة ردّت بوضوح قائلة: “إن جبهة تحرير أزواد ليست منظمة إرهابية”.
وشكّل هذا الموقف، حسب المراقبين، انتكاسة سياسية للمجلس العسكري الحاكم في باماكو، لكونه أضعف من حججه القانونية، وأسقط جانباً كبيراً من الاتهامات الموجهة لأوكرانيا.
وفي تطور موازٍ، أعلنت محكمة العدل الدولية أن الشكوى التي رفعتها مالي ضد الجزائر، بخصوص إسقاط طائرة مسيّرة مالية، لا يمكن أن تمضي قدماً “ما لم تقبل الجزائر صراحةً باختصاص المحكمة”.
وأكدت محكمة العدل الدولية أن نظرها في الشكوى التي رفعتها مالي ضد الجزائر مشروط بموافقة الجزائر على اختصاصها القضائي.
ويُمكن أن يتحقق هذا القبول بطرق مختلفة، من بينها أن تكون الدولتان طرفين في اتفاقية دولية تنص على اللجوء إلى المحكمة في حال النزاع، أو أن تكون كل من مالي والجزائر قد اعترفتا مسبقًا بالاختصاص الإلزامي للمحكمة بموجب المادة 36 من نظامها الأساسي، أو أن توافق الجزائر صراحةً على عرض هذه القضية أمام المحكمة؛ وبذلك أوضحت المحكمة أنها لا تستطيع مباشرة النظر في الدعوى دون قبول الجزائر بالخضوع لاختصاصها في هذا الملف.
وكشف هذا الرد القانوني عن ثغرة أساسية في المرافعة المالية، إذ إن المحكمة لا تملك “اختصاصاً تلقائياً” للنظر في القضايا بين دولتين، إلا إذا توفرت ولاية قضائية بموجب اتفاقيات أو اعتراف مسبق من الأطراف المعنية.
ويفتح رفض الأمم المتحدة لصق صفة الإرهاب بجبهة تحرير أزواد الباب أمام مقاربات جديدة للتعامل مع الحركات المسلحة في شمال مالي، ويميز بين التمرد السياسي والعمليات الإرهابية العابرة للحدود، كما يعيد الاعتبار لجبهة أزواد كفاعل سياسي يمكن أن يكون جزءاً من أي عملية تفاوض مستقبلية.
أما قرار محكمة العدل الدولية، فقد جنّب الجزائر مواجهة قانونية غير محرجة، وعكس محدودية قدرة مالي على تدويل خلافاتها الإقليمية في ظل افتقارها للرافعة الدبلوماسية اللازمة.
وتكشف هذه التطورات عن عزلة دبلوماسية متزايدة لمالي، تتزامن مع تدهور أمني داخلي عجزت فيه المؤسسة العسكرية وحلفاؤها الروس عن فرض الاستقرار. وبينما تخسر باماكو أوراقها على الساحة الدولية، تكسب الحركات الأزوادية أرضية سياسية، وتفرض نفسها كقضية “تصفية استعمار” في نظر بعض الفاعلين.
وبذلك، يبدو أن مسار الأزمة المالية مرشح لمزيد من التعقيد، حيث يتداخل المحلي بالإقليمي والدولي، فيما يظل المدنيون الحلقة الأضعف في معادلة مفتوحة على احتمالات التصعيد أكثر من التهدئة.
الأمم المتحدة ترفض لصق صفة الإرهاب بجبهة تحرير أزواد

تعليقات الزوار
لا تعليقات