أخبار عاجلة

وزير العدل لطفي بوجمعة يعلن أن الدولة أنهت عملية استرجاع جميع الأموال

 أعلن وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة أن الدولة أنهت عملية استرجاع جميع الأموال والممتلكات المنهوبة داخل البلاد، والتي كانت محل تحقيقات واسعة منذ عام 2019، في أعقاب الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
غير أن هذا الإعلان يأتي وسط تشكيك واسع وتزايد التقارير التي تتحدث عن استمرار الفساد في مفاصل الدولة، ما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الخطوات في ظل الواقع السياسي والاقتصادي الراهن.
وخلال منتدى نظمته الإذاعة الوطنية، أكد الوزير بوجمعة أن عمليات استرداد الأصول والممتلكات "حققت نسبة مئة بالمئة"، موضحاً أن هذا الملف كان على رأس أولويات الرئيس عبدالمجيد تبون والحكومة ومؤسسة القضاء.
وأشار إلى أن الأموال والمصانع والعقارات التي تمت استعادتها كانت نتاج صفقات غير قانونية ونهب واسع للمال العام قبل عام 2019، مضيفاً أن "الدولة استعادت السيطرة على ثروات هائلة كانت محتكرة من قبل الكارتل المالي ورجال الأعمال المقربين من النظام السابق".
وأوضح بوجمعة أن السلطات لم تكتفِ بمصادرة الأملاك بل عملت على إعادة تأميمها وتشغيلها من جديد.
ففي أكتوبر/تشرين الاول الماضي، أُعيد تشغيل مصنع لإنتاج حديد الخرسانة في ولاية المسيلة بعد تحويله إلى المؤسسة العمومية للمسابك الجزائرية، كما استأنف مصنع آخر لسحق البذور الزيتية في ولاية جيجل نشاطه تحت إشراف القطاع العمومي.
ويأتي ذلك ضمن خطة حكومية لإحياء عدد من الوحدات الإنتاجية في مجالات الحديد والإسمنت والصناعات الغذائية والزراعة والنقل، في محاولة لخلق قيمة مضافة وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.

وكانت الحكومة قد أنهت في أغسطس/اب 2024 الإجراءات القانونية الخاصة بنقل ملكية 23 مصنعاً وشركة كانت مملوكة لرجال أعمال مرتبطين بالكارتل المالي الذي ازدهر خلال عهد بوتفليقة.
وأوضحت وزارة العدل حينها أن القرارات جاءت بعد صدور أحكام نهائية قضت بمصادرتها بسبب تورط أصحابها في قضايا فساد وتبييض أموال.
وفي يوليو/تموز من العام نفسه، أقرّت الحكومة خطة جديدة لتسوية الملف القانوني للأملاك المصادرة ونقلها إلى المؤسسات العمومية الاقتصادية، بهدف "ضمان استغلالها الأمثل وتوجيه عائداتها لصالح المجموعة الوطنية".
أما في ما يتعلق بالأموال المهربة إلى الخارج، فأكد بوجمعة أن الجزائر تواصل مساعيها عبر القنوات القضائية والدبلوماسية لاسترجاعها. وقال إن "عدداً من الدول أبدى تعاوناً ملموساً في هذا المجال، في حين ما زالت دول أخرى في طور دراسة الطلبات الجزائرية".
وكان الرئيس تبون قد أعلن في أكتوبر/تشلاين الاول الماضي أن الجزائر تمكنت من استعادة ما يقارب 30 مليار دولار من الأصول والمصانع والعقارات المهربة إلى الخارج، مشيراً إلى تعاون دول مثل إسبانيا، التي سلّمت الجزائر فندقاً فخماً من فئة خمس نجوم كان مملوكاً لرجل الأعمال علي حداد، أحد أبرز رموز الكارتل المالي في عهد بوتفليقة.

الجزائريون تظاهروا خلال السنوات الماضية ضد استشراء الفساد
الجزائريون تظاهروا خلال السنوات الماضية ضد استشراء الفساد

يُذكر أن حملة مكافحة الفساد التي انطلقت عقب الحراك الشعبي أدت إلى محاكمة عدد كبير من كبار المسؤولين في عهد بوتفليقة، بينهم رؤساء وزراء سابقون مثل عبد المالك سلال وأحمد أويحيى ونورالدين بدوي، إلى جانب سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، وعدد من رجال الأعمال البارزين.
ورغم هذه الإجراءات، يرى مراقبون أن الجزائر ما زالت تعاني من بنية فساد عميقة الجذور، تتغلغل في الإدارة والاقتصاد والصفقات العمومية، وهو ما يجعل من الصعب الجزم بأن مرحلة الفساد قد انتهت بالفعل.
وقد أكد الرئيس تبون في تصريحات سابقة أن الجزائر دخلت "عهداً جديداً خالياً من الفساد والظلم والرشوة والمحسوبية" مشيراً إلى أن الدولة تعمل على ترسيخ الشفافية وتكافؤ الفرص. غير أن تقارير محلية ودولية، فضلاً عن شكاوى نشطاء ومواطنين، تشير إلى استمرار الممارسات البيروقراطية والزبونية وتقييد الحريات السياسية، ما يعمق الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني.
ويذهب بعض المحللين إلى أن النظام الجزائري يوظف ملف استرداد الأموال كأداة سياسية لإعادة ترميم صورته داخلياً وخارجياً، أكثر مما هو إصلاح بنيوي لمحاربة الفساد.
ورغم الترحيب الرسمي بما تصفه الحكومة بـ"النجاح الكامل" في استرجاع الأموال المنهوبة، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى استدامة هذا الإنجاز، خصوصاً في ظل غياب آليات رقابة فعالة ومؤسسات مستقلة تضمن الشفافية والمساءلة.
فبينما تحتفي السلطات بما تعتبره دليلاً على "قوة الدولة في مواجهة الفساد"، يرى مراقبون أن الفساد نفسه لم يُستأصل، بل تغيّر شكله وأصبح أكثر ارتباطاً بالولاءات السياسية والبيروقراطية الإدارية.
وفي المحصلة، تبدو الجزائر اليوم أمام مفارقة صارخة: من جهة، تستعيد مليارات الدولارات وممتلكات ضخمة نُهبت في الماضي؛ ومن جهة أخرى، تواجه اتهامات متزايدة باستمرار الفساد وضعف الحكم الرشيد. وبين ما يُعلن رسمياً وما يعيشه المواطن يومياً، تبقى معركة الجزائر الحقيقية ليست فقط في استرجاع الأموال، بل في بناء مؤسسات قادرة على منع نهبها من جديد.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات