أخبار عاجلة

انتقادات حقوقية وشعبية لمشروع قانون سحب الجنسية في الجزائر

 تفجّر في الجزائر خلال الأيام الأخيرة جدل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي وبين الأوساط السياسية، بعد إعادة طرح مشروع قانون يقضي بسحب الجنسية الجزائرية ممن يُدان بارتكاب أفعال تمسّ بأمن الدولة أو وحدتها الوطنية، سواء داخل البلاد أو خارجها.

وأشعل المشروع الذي أدرج مجدداً على جدول أعمال البرلمان بعد سنوات من التجميد، موجة غير مسبوقة من النقاش بين مؤيدين يرونه خطوة "ضرورية لحماية السيادة الوطنية"، ومعارضين يعتبرونه "تهديداً للحريات السياسية ومقدمة لتكميم الأفواه".

وفي أروقة البرلمان، قدّم النائب هشام صفر عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي المبادرة بصفته رئيس اللجنة القانونية، مبرراً إياها بأنها تسعى إلى سدّ "فراغ تشريعي قائم منذ أكثر من عقدين"، مؤكداً أن الانتماء الوطني "ليس مجرد وثيقة بل التزام بقيم البلاد ومقوماتها".

ويقترح المشروع تجريد كل من يثبت تعامله مع جهات أجنبية أو منظمات تصنف "تخريبية أو إرهابية"، مع منح المتهمين فترة دفاع لا تتجاوز شهرين قبل صدور القرار النهائي.

لكن خارج قبة البرلمان، احتدم الجدل أكثر. فقد تصدر وسم #سحب_الجنسية الترند الجزائري على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، وتنوّعت التفاعلات بين من يرفع شعار "من خان لا يستحق الهوية"، ومن يرى أن القانون "يفتح الباب أمام إسقاط الجنسية عن المعارضين". وكتب ناشطون أن "تجريد شخص من جنسيته لا يعاقب الخيانة، بل يشرعن الإقصاء ويكسر فكرة المواطنة نفسها".

في المقابل، دافع آخرون عن المشروع بوصفه "درعاً وقائياً في وجه المتورطين في حملات تستهدف الدولة من الخارج"، مؤكدين أن "من يستخدم جنسيته لتهديد بلده لا يستحق الحماية القانونية". واستحضرت بعض الحسابات الموالية للحكومة تصريحات الرئيس عبدالمجيد تبون الأخيرة التي دعا فيها إلى "التصدي لخائن الدار"، معتبرة أن القانون يأتي في هذا السياق.

وكتب الصحافي الجزائري علي بوخلاف في منشور أثار تفاعلاً واسعاً أن "القانون موجّه بالأساس ضد المعارضين المقيمين في الخارج الذين ينتقدون النظام"، معتبراً أن تمريره "سيعمّق عزلة الجزائر السياسية ويزيد من هجرة الكفاءات".

وما زاد من حدة السجال هو استدعاء الذاكرة القريبة؛ إذ أعاد الكثيرون التذكير بمبادرة مشابهة طُرحت عام 2021 ثم جُمّدت بعد موجة رفض حقوقية داخلية ودولية، وسط تحذيرات من أن سحب الجنسية "إجراء تعسفي" يتناقض مع المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه "لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً".

على فيسبوك، عبّر محامون وحقوقيون عن مخاوفهم من غموض تعريف "الأفعال الماسة بأمن الدولة"، محذرين من إمكانية استخدام النص ضد الأصوات المنتقدة للسلطة. وكتب المحامي عبدالغني بادي "القانون بلا معايير واضحة يتحول إلى أداة انتقام سياسي"، فيما علّق أحد الأساتذة الجامعيين قائلاً "الولاء لا يُقاس بالسكوت، بل بالقدرة على النقد من أجل الإصلاح".

وفي المقابل، حظي المقترح بتأييد من شخصيات ترى فيه ضرورة "لردع من يتآمر مع الخارج ضد الوطن"، في ظل تصاعد الاتهامات لجهات معارضة في الخارج بالتحريض على الفوضى.

ويبدو أن مشروع القانون أعاد تشكيل خطوط الانقسام داخل المشهد الجزائري بين تيار يدعو إلى تشديد العقوبات لحماية الدولة من "التهديدات الهجينة"، وآخر يصرّ على أن الأمن الحقيقي يبدأ من احترام الحريات وضمان الحقوق المدنية. ومع تزايد الضغوط الشعبية والإعلامية، يجد البرلمان نفسه أمام معادلة شائكة: كيف يوازن بين مقتضيات السيادة الوطنية ومتطلبات الانفتاح السياسي؟

ومهما كانت نتيجة النقاشات القادمة، فإن الجدل الذي اجتاح المنصات خلال الأيام الأخيرة يعكس تحوّلاً عميقاً في المزاج العام الجزائري، حيث بات المواطنون أكثر جرأة في مساءلة القرارات الرسمية، وأكثر وعياً بخطورة استخدام الأمن القومي كذريعة لتقييد المشاركة السياسية.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات