توالت في الأسابيع الأخيرة إشارات على إمكانية إعادة استئناف قنوات التواصل بين الجزائر وفرنسا بعد فترة من الجمود الدبلوماسي، خاصة بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، رغم محاولات اليمين الفرنسي المتكررة لدفع العلاقات نحو مزيد من التأزيم.
ومع حلول ذكرى أول نوفمبر في الجزائر، بدت الساحة مناسبة لإعادة اختبار لغة الإشارات المتبادلة بين البلدين.
وفي هذا السياق، تلقى الرئيس الجزائري رسالة تهنئة من نظيره الفرنسي بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، ورد فيها : “بمناسبة إحياء ذكرى أول نوفمبر أود أن أقدم لكم ولكل الشعب الجزائري تهانيّ الحارة وأطيب التمنيات”.
واللافت أن مصالح الرئاسة الجزائرية حرصت على إظهار الرسالة ضمن منصاتها على مواقع التواصل، وهو تطور يأتي بعد مرحلة غابت فيها اللقاءات والمحادثات المباشرة بين الرئيسين.
ويتقاطع ذلك، مع دعوات سياسية في فرنسا تدعو إلى عدم ترك العلاقة بين البلدين تحت تأثير التجاذبات الظرفية. فقد دعا برونو فوكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، في حوار مع صحيفة الخبر الجزائرية، إلى ضرورة استئناف الحوار المباشر بين الرئيسين تبون وماكرون. وأوضح فوكس أن الشؤون الخارجية تبقى ضمن الصلاحيات المباشرة للرئيس في النظام السياسي الفرنسي، وأن التوازنات البرلمانية الداخلية لا تمنع رئيس الجمهورية من المبادرة دبلوماسياً. وقال إن الرئيس الفرنسي يمتلك الأدوات التي تخوله إعادة إطلاق مسار ثنائي جديد قائم على رؤية واضحة وخطوات تدريجية.
وأشار فوكس إلى احتمال عقد لقاء بين الرئيسين خلال قمة مجموعة العشرين المقررة في جنوب إفريقيا، موضحاً أن مثل هذا اللقاء يمكن أن يشكل مناسبة لإعادة بناء الثقة وإعادة ترتيب الملفات الثنائية وفق جدول واضح. وأكد أن اللقاء في حد ذاته لا يكفي ما لم يكن متبوعاً بحوار مباشر حول الملفات الأساسية. وأعاد التذكير بأن العلاقات بين البلدين تشمل قضايا إنسانية واقتصادية وثقافية وأمنية تتطلب معالجة هادئة ومنهجية.
وفي مسعى يحاول القطيعة مع تركة برونو روتايو، كشف وزير الداخلية الفرنسي الجديد لوران نونيز في حوار صحفي عن تلقيه رسالة من نظيره الجزائري تتضمن دعوة رسمية لزيارة الجزائر. وتأتي هذه الدعوة بعد فترة توقفت خلالها الاتصالات بين الأجهزة الأمنية في البلدين، سواء فيما يتعلق بتبادل المعلومات العملياتية أو تنسيق ملفات الهجرة غير النظامية والإبعاد. وقال نونيز إن الجزائر لم تصدر تصاريح مرور لإعادة رعاياها منذ الربيع الماضي، وإن عمليات الإبعاد من فرنسا نحو الجزائر تراجعت بشكل واضح مقارنة بالعام الماضي. وأوضح أن هذا التوقف كان نتيجة تراجع مستوى التعاون في المرحلة الأخيرة.
وأعرب نونيز عن أسفه للتصويت الذي جرى في الجمعية الوطنية الفرنسية على لائحة تطالب بإلغاء اتفاقيات 1968 المنظمة لوضع الجزائريين في فرنسا، بمبادرة من اليمين المتطرف. وقال إن ما حدث يدخل في سياق الجدل السياسي الداخلي، وإن السياسة القائمة على الضغط لا تؤدي إلى نتائج دائمة. وأضاف أن استئناف قنوات التعاون بين وزارتي الداخلية في البلدين يظل ضرورياً بالنظر إلى طبيعة الملفات الأمنية المشتركة. وأشار إلى أن هناك مؤشرات على عودة الاتصالات، معتبراً أن الدعوة التي تلقاها لزيارة الجزائر تشكل بداية عملية لإعادة صياغة قنوات التنسيق.
وفي السياق نفسه، أثار قرار البرلمان الفرنسي حول اتفاقية 1968 ردود فعل داخل فرنسا، حيث خرجت شخصيات سياسية تنتقد الخطاب الذي اعتمدته أطراف من اليمين واليمين المتطرف. فقد نشرت سيغولان روايال، المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الفرنسية، رسالة عبر منصة أكدت فيها أن بعض الأطراف تبالغ في تصوير الاتفاقية كعبء مالي، وأنها تتجاهل مساهمة العمال الجزائريين في الاقتصاد الفرنسي. ودعت روايال إلى عدم تبني خطاب يستحضر تصورات قديمة ترتبط بفكرة “الجزائر الفرنسية”، معتبرة أن مثل هذا الخطاب لا يعالج طبيعة العلاقات القائمة اليوم.
كما اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان أن قرار البرلمان جاء في توقيت غير مناسب، لأنه يتزامن مع بوادر مسار تهدئة بين البلدين. وقال دو فيلبان في تصريح تلفزيوني إن القرار قد يؤثر سلباً على ملفات شخصية وإنسانية تتعلق بالتنقل ولمّ شمل العائلات والدراسة. وأشار إلى أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا ترتبط أيضاً بملفات جيوسياسية في منطقة الساحل، ما يجعل استمرار القطيعة أو التصعيد خياراً يحمل تبعات أمنية.
ومن الجانب الجزائري، أكد وزير الخارجية أحمد عطاف أن اللائحة التي تمت المصادقة عليها في الجمعية الوطنية الفرنسية تبقى شأناً داخلياً فرنسياً. وقال عطاف إن إدراج تاريخ الجزائر في نقاش انتخابي فرنسي أمر غير مناسب، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الجزائر لا ترى ضرورة للرد على مثل هذه المبادرات في الوقت الحالي. وأضاف أن العلاقات الدولية لا تدار بردود فعل ظرفية، وأن الجزائر تفضل التعامل مع القضايا الثنائية المباشرة من خلال قنوات تواصل هادئ.
ورغم غياب أي إعلان رسمي عن خطوات جديدة أو لقاءات مبرمجة بين مسؤولي البلدين، إلا أن تبادل الرسائل والدعوات والتصريحات يفتح المجال أمام احتمال استئناف حوار تدريجي، قد يضع حدا لأزمة غير مسبوقة تسمر منذ نحو سنة، بعد إعلان باريس، دعمها الصريح لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية، ما أثار رفضاً جزائرياً قاطعاً واعتُبر خروجاً عن موقف الحياد في هذا الملف. وتفاقمت الأزمة لاحقاً بسبب القيود التي فرضتها باريس على اعتماد دبلوماسيين وقناصل جزائريين، إلى جانب تفعيل أدوات الضغط المرتبطة بالتأشيرات والترحيل.

تعليقات الزوار
لا تعليقات