أخبار عاجلة

لوفيغارو: ماكرون في مواجهة “الفخ الجزائري”

توقّفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عند مصادقة النواب في الجمعية الوطنية الفرنسية، هذا الخميس، بفارق صوت واحد فقط، على مقترح قرار قدّمه حزب “التجمّع الوطني”، اليميني المتطرف، يدعو إلى “إدانة” الاتفاق الفرنسي- الجزائري لعام 1968، الذي يمنح نظاماً تفضيلياً للهجرة للجزائريين إلى فرنسا؛ في خطوة رمزية أكثر منها عملية.

وقالت الصحيفة الفرنسية إنه ما إن اتّفقت باريس والجزائر على أنّ الوقت قد حان لاستئناف الحوار والعمل المشترك بعد أشهر من أزمة غير مسبوقة- بل يمكن وصفها بالقطيعة- حتى بدأت غيوم التوتر تتلبّد من جديد في سماء العلاقات الثنائية.
“لوفيغارو” تُذكِّر هنا بتصريح وزير الداخلية الجديد، لوران نونيز، يوم الأحد الماضي، الذي اعتبر أنّه يجب أن يحصل “تحرّك إيجابي” في العلاقات مع الجزائر، مؤكداً أنّ إعادة النظر في الاتفاق الفرنسي- الجزائري لعام 1968 ليست مطروحة حالياً.

فالتغيير الذي حصل مؤخّرًا في وزارة الداخلية بتولّي لوران نونيز الحقيبة خلفاً لبرونو روتايو، لاقى ترحيباً من الصحافة الجزائرية برحيل روتايو عن الحكومة، واهتماماً بشخصية خلفه نونيز، الذي ينحدر من عائلة من الأقدام السوداء ويُقدَّم على أنه “رجل حوار”.

وفي باريس، أدى تعيين لوران نونيز إلى إعادة انسجام داخل السلطة التنفيذية، حيث أصبحت وزارة الداخلية على الموجة نفسها مع الإليزيه ووزارة الخارجية. فبينما كان روتايو يطالب بتشدّد أكبر تجاه الجزائر، تبنّى نونيز موقفاً أكثر براغماتية وانفتاحاً.
وبخصوص الردّ على التصويت في الجمعية الوطنية، أشارت “لوفيغارو” إلى أن مهمة التعبير عن موقف الحكومة الفرنسية أوكلت إلى رئيس الوزراء، سيباستيان لوكورنو، الذي صرّح بأنّه “يحترم نتيجة التصويت”، لكنه دعا، في الوقت نفسه، إلى “إعادة التفاوض على النص”.
كما نقلت الصحيفة عن أحد المستشارين في قصر الإليزيه قوله، بلهجة ساخرة: “لم أكن أعلم أن السياسة الخارجية أصبحت من اختصاص البرلمان!”.
في الكواليس، -تضيف “لوفيغارو”- أكّد مصدر في وزارة الخارجية الفرنسية أنّ هذا القرار “غير ملزم” قانونياً، أي أنه لا يملك أي قوة تشريعية. وأضاف المصدر: “لقد ذكّرت الحكومة الجمعية الوطنية بموقفها الرافض لإلغاء الاتفاق، وبأنّ الموقف الرسمي لفرنسا يتمثل في الدعوة إلى إعادة التفاوض مع الجزائر بشأنه”.

مصدر آخر مطّلع على الملف الثنائي قلّل من أهمية هذا “اللاحدث”، قائلاً: “ما جرى لا يُعتبر عملاً رسمياً من قبل الدولة الفرنسية- والسلطات الجزائرية تدرك ذلك جيداً- بل هو محاولة جديدة من حزب التجمّع الوطني لإفشال الجهود الجارية مع الجزائر”.

وأضاف المصدر نفسه: “أولويتنا الآن هي استئناف التعاون الأمني وتعزيز المرحلة التي فُتحت منذ أسبوعين (أي منذ خروج برونو روتايو من الحكومة). على العكس من ذلك، فإن هذا القرار لا يعرقل جهودنا، بل يبرّر أكثر ضرورة إعادة بناء علاقة هادئة، قائمة على الثقة والنتائج الملموسة”.
وفي الجزائر، أوضحت “لوفيغارو” أن مصدراً دبلوماسياً أشار، في ما يشبه مقياساً لمزاج الرئاسة والاتجاه العام، إلى ضرورة الاقتراب مجدداً من باريس والعمل على تهدئة العلاقات الثنائية.
ومضت الصحيفة الفرنسية معتبرةً أنه حتى في حال اختار الرئيس عبد المجيد تبون تجاهل ما جرى في البرلمان الفرنسي، فإنّ غيوماً أخرى تلوح في أفق العلاقات الثنائية. فالتصويت جاء في مناخ من التوتر والقلق مع اقتراب تاريخ الأول من نوفمبر، ذي الرمزية العالية الذي يصادف اندلاع حرب التحرير الجزائرية عام 1954.
وواصلت “لوفيغارو” القول إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدا، في شهر أغسطس، أنه يتبنى خطّ برونو روتايو، إذ دعا، عبر صحيفة “لوفيغارو”، إلى “موقف أكثر حزماً تجاه الجزائر”، لكن من دون أي تنفيذ فعلي لتلك الأقوال.

ومن الواضح أنّ الرئيس الفرنسي عاد عن ذلك النهج، إذ يسعى اليوم إلى إعادة بناء الجسور مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، الذي يمثل نظاماً معقّداً يصعب على الدبلوماسية الفرنسية فهمه بالكامل، تقول الصحيفة.

وقال أحد المقربين من ماكرون: “المعيار الوحيد لدى الرئيس هو الفعالية. فإذا نظرنا بموضوعية، نجد أن نتيجة القطيعة مع الجزائر كانت مراكز احتجاز مليئة بجزائريين صدر بحقهم أوامر ترحيل، بعضهم خطير، وقد يُفرج عنهم قريباً”.
لكنّ أحد المقربين من برونو روتايو حذّر قائلاً: “هم يريدون استئناف الحوار، لكن يبدو أنهم مستعدون لتقديم تنازلات كبيرة مقابل مكاسب رمزية”.
وفي قلب الملف: استئناف عمليات ترحيل الجزائريين غير المرغوب فيهم على الأراضي الفرنسية، إضافة إلى قضيتي الكاتب بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليز المسجونين في الجزائر. وقد تبنّت السلطة الفرنسية إستراتيجية التكتم في هذا الملف، إذ نصح الرئيس ماكرون أحد المثقفين الفرنسيين مؤخراً بعدم التحدث علناً عن قضية بوعلام صنصال، معتبراً أن الصمت هو أفضل وسيلة لتسهيل الإفراج عنه، وهو الإفراج الذي لم يتمكن حتى الآن من تحقيقه بعد نحو عام من المساعي الدبلوماسية.

وفي الأيام الأخيرة، – تتابع “لوفيغارو” – تداولت بعض الأوساط في فرنسا شائعات حول احتمال الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال بمناسبة العفو الرئاسي التقليدي الذي يُمنح عادة في هذا اليوم الوطني. ففي هذه المرحلة، لا شيء تغيّر في وضعيته القانونية- توضّح الصحيفة الفرنسية- فالأول من نوفمبر يحمل نفس الحمولة الرمزية والسياسية التي تمثلها ذكرى الاستقلال؛ إذ يُعدّ يوماً يلامس مفاهيم السيادة والوحدة الوطنية، وهما ركيزتان أساسيتان في هوية الدولة الجزائرية.
ومثلما حدث في الـ 5 يوليو، فإنّ مرسوم العفو الرئاسي الصادر في الأول من نوفمبر يستثني صراحةً السجناء المدانين بتهم تتعلق بـ “المساس بأمن الدولة” أو “الوحدة الوطنية” أو “السلامة الإقليمية”.
وجدير بالذكر أنّ الحكم الصادر ضد بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات نافذة وغرامة مالية قدرها 500 ألف دينار جزائري (حوالي 3500 يورو)، قد تم تأكيده في الاستئناف بتاريخ الأول من يوليو، خصوصاً بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”.
من جهة أخرى، – تقول “لوفيغارو” – تظلّ الوضعية شديدة الحساسية بالنسبة للرئيس عبد المجيد تبون، الذي لا يستطيع أن يعطي الانطباع بأنه يرضخ لضغوط باريس، خصوصاً إذا ما ازدادت هذه الضغوط مع اقتراب موعدين مهمين: الأول هو الذكرى الأولى لاعتقال الكاتب بوعلام صنصال في 16 نوفمبر، والثاني هو محاكمة الاستئناف للصحافي كريستوف غليز في 3 ديسمبر. وكل ضغط إعلامي صادر من فرنسا يجعل الوضع أكثر تعقيداً، إذ يُنظر إليه في الجزائر على أنه تنازل أو مساس بالسيادة الوطنية، وهي السيادة التي يحتفل بها الجزائريون تحديداً في الأول من نوفمبر.
وبذلك، يعود السيناريو المحتمل للعفو الفردي إلى الواجهة، لكنه يبقى رهناً بقرار رئاسي غير متوقّع في توقيته، مثلما هو الحال دوماً في مثل هذه القضايا.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات