أخبار عاجلة

'الرعب التفاعلي' يجذب المراهقين في صالون الجزائر للكتاب

شهد الصالون الدولي للكتاب في دورته الثامنة والعشرين، المنعقد حاليًا بقصر المعارض "سافيكس" بالعاصمة الجزائرية، ظاهرة ملفتة تمثلت في تزايد اهتمام المراهقين بأدب الرعب والفانتازيا، بما في ذلك صنف "الدارك رومنز"، إلى درجة وصلت أحيانًا لفقدان السيطرة في بعض أجنحة دور النشر.

فقد اضطر أحد دور النشر إلى إيقاف جلسة توقيع للكاتبة الشابة لبنى عبداللاوي المعروفة باسم "لولا" على كتابيها الأخيرين "الجن" و"مليكيانا"، بعد تدفق أعداد كبيرة من الأطفال والمراهقين في الوقت نفسه، ما استدعى تدخل أعوان الأمن لتنظيم الحضور وإعادة ترتيب أجواء الجلسة.

ولفتت الكاتبة الأنظار منذ لحظة دخولها جناح دار السهوب للنشر والطباعة والإعلام، حيث أعدت مساحة مخصصة لتوقيع الكتب بديكور مستوحى من الرعب: هياكل عظمية، عنكبوتيات، خلفيات سوداء، ولوحات تحمل وجوهًا بشرية مشوهة بعينين محدقتين، ما دفع الزوار للتوقف والاطلاع عن كثب على المحتوى.

وأكد المسؤول عن دار النشر في حديث لموقع "الخبر" أن فكرة هذا الديكور جاءت بمبادرة شخصية من الكاتبة، رغبة منها في تقديم ما تصفه بـ"الرعب التفاعلي"، أي إحداث تجربة حسية ونفسية للقارئ تجعل من عملية قراءة الكتاب تجربة شبه واقعية، تتفاعل فيها المشاهد والصوت والخيال مع النص.

وأشار زوار الجناح إلى أن اهتمامهم بمؤلفات "لولا" لا يقتصر على الكتاب المطبوع، بل يمتد إلى منصتها على "يوتيوب"، حيث تروي القصص بأسلوب جذاب يجمع بين الصورة والصوت، ويتيح للمراهقين الانغماس في العوالم الغريبة والمرعبة التي تخلقها الكاتبة.

ومن الأمثلة على ذلك، عرضت إحدى الفتيات القصة المصورة "عرس الجن"، التي تظهر فيها الكاتبة مرتدية فستان زفاف، محاطة بعوالم غرائبية وشراك للعناكب، مع أصوات الرياح والأبواب المتحركة والكائنات الغريبة، في تجربة تُعرف باسم "الرعب التفاعلي"، تهدف إلى شد انتباه القارئ أو المشاهد وجعله يعيش تفاصيل القصة بكل حواسه.

ويشير النقاد والزوار إلى أن محتوى هذه القصص يمزج بين الفانتازيا الغربية التقليدية والرعب المحلي، ويقدم عوالم أسطورية جديدة، مع أحداث غير متوقعة وأبطال خارقين، وهو ما يفسر انجذاب الشباب والمراهقين إليه.

ويلاحظ أن اهتمام الشباب بهذا النوع الأدبي في الجزائر شهد ارتفاعًا كبيرًا خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن الطابع التجاري والترفيهي غالبًا ما يطغى على القيمة المعرفية أو الثقافية للكتب. ويظل بناء قاعدة صلبة لأدب الفانتازيا الجزائري في مراحله الأولى، مقارنة بالتجارب العالمية، حيث تعتبر أعمال الفانتازيا جزءًا من الثقافة الأدبية الأكاديمية، وتدرس ضمن تخصصات الأدب المقارن وعلم الأساطير والدراسات الثقافية.

ويعرف هذا النوع الأدبي بالاعتماد على الخيال المطلق، حيث تتجاوز أحداثه حدود الواقع والمنطق الطبيعي، وتستند إلى عناصر السحر، والمخلوقات الأسطورية، والعوالم الموازية، مع أبطال خارقين، في إطار قصصي يهدف إلى خلق تجارب رمزية تتناول موضوعات إنسانية مثل الصداقة، الخير والشر، السلطة، والحرية.

وتشير الدراسات والمواقع المتخصصة إلى أن الفانتازيا ليست مجرد خيال ترفيهي، بل وسيلة للتعبير عن الواقع بطريقة رمزية، وهو ما يفسر رواج أعمال مثل "سيد الخواتم" لتولكين، و"هاري بوتر" لج.ك رولينغ، و"صراع العروش" لجورج مارتن، والتي تجاوزت مجرد كونها قصصًا لتصبح جزءًا من الثقافة الشعبية العالمية.

في الجزائر، يمثل هذا النوع من الأدب فرصة ثقافية جديدة للشباب، حيث يجمع بين التسلية والمعرفة الرمزية للعوالم الموازية، ويفتح آفاقًا للإبداع المحلي، سواء من حيث الكتابة، أو الرسوم، أو الإنتاج الرقمي عبر منصات الفيديو.

ويرى المتابعون أن استمرار الاهتمام بهذا الأدب، مع تطوير البنية الثقافية المحلية، قد يسهم مستقبلاً في إيجاد مرجعية جزائرية لأدب الفانتازيا، يقارن بها المتلقي المحلي والعالمي، ويعزز من مكانة الجزائر على خريطة الأدب المعاصر.

ويظل السؤال مفتوحًا حول إمكانية تحويل هذا الاهتمام الواسع لدى المراهقين إلى مشروع ثقافي حقيقي، يوازن بين الترفيه والقيمة المعرفية، ويشجع على تأسيس مدارس كتابة متخصصة، ومعارض فنية رقمية، وبرامج تعليمية مرتبطة بالأدب والخيال، لتصبح الفانتازيا جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي الجزائري.

ويُقدّم الصالون، الذي يستمر حتى الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أكثر من 240 ألف عنوان كتاب تغطي مختلف مجالات المعرفة والفكر والإبداع، من الأدب والعلوم الإنسانية إلى التكنولوجيا والتنمية الذاتية. وتحل دولة موريتانيا ضيفَ شرف هذه الدورة، في إشارة رمزية إلى عمق الروابط الثقافية التي تجمع الشعبين الشقيقين وإلى الحضور المتنامي للأدب الموريتاني في الساحة العربية.

ويضم البرنامج الثقافي المصاحب للصالون أكثر من 55 فعالية ما بين ندوات فكرية ولقاءات أدبية وأمسيات شعرية، يشارك فيها نحو 250 كاتباً وباحثاً وناقداً من داخل الجزائر وخارجها، مما يجعل من المعرض فضاءً للحوار الفكري وتبادل التجارب بين مختلف المدارس والتيارات الثقافية العربية والعالمية

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات