إعتبر الدبلوماسي والسفير التونسي السابق، إلياس القصري، أن قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء، وضع حدا لما اعتبره كثيرون "الخرافة المزعومة" التي غذّت لعقود النزاعات والانقسامات في شمال إفريقيا، وذلك من خلال اعتماد القرار 2797 الذي يُنهي عمليا وجود ما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، واضعا الصحراء في مسار جديد يقوم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، داعيا أيضا بلاده إلى استرجاع 20 ألف كيلومتر من أراضيها ضمتها الجزائر.
وأضاف الدبلوماسي التونسي الذي تقلد سابقا معامة دبلوماسية منها سفير تونس لدى كل من كل من الهند وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، في تدوينة مطولة على صفحته الرسمية بموقع "فايسبوك" أن هذا التحول الأممي الحاسم يعني أن أي حديث عن "تقرير المصير" سيكون من الآن فصاعدا في إطار حلّ سياسي سلمي يحفظ وحدة الأراضي المغربية ويحدد تفاصيله خلال فترة تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) لعامٍ إضافي، بما يفتح الباب أمام تسوية نهائية لنزاع عمره نصف قرن.
ويعتبر السفير التونسي السابق إلياس القصري أن ما رافق هذا القرار من مواقف داخل مجلس الأمن لا يقلّ دلالة عن مضمونه، خاصة امتناع الصين وروسيا، الحليفين التقليديين للجزائر، عن التصويت، وغياب الجزائر نفسها عن التصويت رغم عضويتها غير الدائمة، وهو ما يعكس ـ حسب رأيه ـ تحوّلا عميقا في موازين القوى وفي النظرة الدولية لدور الجزائر في المنطقة.
القصري يرى أن القرار الأممي الجديد لن يمرّ من دون ارتدادات داخل النظام الجزائري، الذي بنى شرعيته لعقود على "قضيتي فلسطين والصحراء"، واللتين، بحسب قوله، انتهتا إلى تهميشه داخليا وخارجيا، مضيفا أن ما فعله النظام الجزائري طوال نصف قرن من استغلال للثروات والأراضي المنهوبة من جيرانه مكّنه من زعزعة استقرار القارة الإفريقية، ولا سيّما منطقة المغرب العربي والساحل، قبل أن تتكشف الصورة الحقيقية أمام العالم، حيث أن القضية التي رُوّج لها باعتبارها "قضية تصفية استعمار"، ليست في واقع الأمر سوى غطاء هشّ لنظام سياسي مهتزّ يسعى إلى إخفاء أزماته الداخلية خلف شعارات خارجية.
ويذهب الدبلوماسي المخضرم إلى حدّ القول إن الجزائر، التي قامت على "إرث استعماري مغشوش"، لم تكتفِ بإثارة الفتن الإقليمية، بل استولت على أراضٍ وثروات من جميع جيرانها، بما فيهم تونس التي سُلبت، بحسبه، أكثر من عشرين ألف كيلومتر مربع غنية بالموارد النفطية والمائية والمعدنية.
ويهاجم القصري ما يسميه "الانبهار المرضي ببريق الشقيقة الكبرى" محذراً بعض التونسيين الذين يبرّرون هذا الوضع باسم "الأخوة المغاربية"، من أن الهيمنة الاقتصادية والسياسية المقنّعة بالخطاب القومي ليست سوى شكل آخر من أشكال التبعية.
ويخاطب القصري، بلهجة صريحة، من يرفعون شعار "وينو البترول؟" قائلاً إنّ الإجابة لا تكمن في الداخل بقدر ما تكمن غربا، على الحدود التونسية الجزائرية، حيث تُستنزف الثروات المشتركة والمياه الجوفية العميقة، وفي مقدمتها مياه الطبقة الجوفية الألبية، وهي الأكبر في العالم، التي يُفترض أن تشكّل ركيزةً للأمن المائي والغذائي في المنطقة، لكنها، وفق تعبيره، تُدار بطريقة تُفضي إلى "إخضاعٍ اقتصادي" لتونس.
وذكّر القصري التونسيين بخطاب الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة يوم 5 فبراير 1959، حين تحدث بوضوح عن الحقوق التاريخية لتونس في الصحراء، قبل أن تتراجع الدولة لاحقا تحت ضغط المرض والمناورات السياسية وضربة هجوم قفصة الإرهابي سنة 1980، الذي خطط له، كما يقول، "الأشقاء الليبيون والجزائريون".
ويشير السفير السابق إلى أن تونس قدّمت تنازلات مكلفة لجيران لم يُبدوا اعترافا ولا احتراما لوقوفها إلى جانبهم في معارك الاستقلال، وأن من كان يعتقد أن هذه التنازلات ستجلب "الصداقة والازدهار" أخطأ التقدير، مؤكدا أن الوقت قد حان لاستعادة الوعي الوطني الكامل، وللمطالبة بما هو حق مشروع من ثرواتٍ وأراضٍ، لأن الاستقلال الحقيقي لا يُقاس بالعلم والنشيد، بل بالسيادة الفعلية على الأرض والماء.

تعليقات الزوار
لا تعليقات