تثير قضية ابتسام حملاوي، رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني، ورئيسة الهلال الأحمر الجزائري، جدلا واسعا في الجزائر خلال الأيام الأخيرة بعد سلسلة شهادات واتهامات صدرت عن قياديين ومسؤولين سابقين عملوا معها، أكدوا تعرضهم لما وصفوه بتجاوزات وسوء معاملة واستغلال للنفوذ أدى ببعضهم إلى المتابعة القضائية والسجن.
هذه التطورات تسببت في موجة واسعة من ردود الفعل في الساحة السياسية والإعلامية، وفتحت نقاشا حول طبيعة تسيير المؤسسات ذات الطابع الجمعوي والإنساني، وحدود ممارسة المسؤولين لصلاحياتهم داخلها، في وقت ارتفعت أصوات مطالبة بفتح تحقيق شفاف لكشف الملابسات، بما يضمن وضع حد لهذه التجاوزات إن حدثت فعلا.
وقد كانت بداية القضية، عندما خرج القيادي السابق في الهلال الأحمر بولاية سكيكدة، ياسين بن شطاح، في تسجيل مصور نشره عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحدث فيه عن مساره داخل المنظمة، وما وصفه باضطهاد تعرض له بعد خلافات في التسيير مع ابتسام حملاوي.
وجاء حديث الناشط بعد أيام من ضجة واسعة أثيرت حول الكاتبة سليمة مليزي التي سجنت بسبب منشور لها تناول ابتسام حملاوي على مواقع التواصل، وهو ما أدى لحملة تضامن واسعة مع الكاتبة انتهت بالإفراج عنها في انتظار محاكمتها.
وقال بن شطاح إن اعتراضه على بعض القرارات الداخلية أدى إلى ملاحقته قضائيا، ثم إيداعه السجن، مؤكدا أن القضية تمت بفعل تدخل نفوذ شخصي من قبل رئيسة الهلال الأحمر لدى مصالح الدرك وأجهزة القضاء. وأضاف في حديثه أن ما تعرض له لا يقتصر على خلاف إداري، بل امتد إلى مساس بكرامته وتعسف في استعمال السلطة، وأنه خرج للعلن بدافع كشف ما اعتبره حقائق للرأي العام.
وفي منشور آخر، أكد بن شطاح أن هناك محاولة لإظهار قضيته كخلاف شخصي أو افتراء، لكنه يعول على من وصفهم بشرفاء المؤسسات القضائية والأمنية من أجل إنصافه، مضيفا أنه لا يزال يثق في مؤسسات الدولة وأن ابتسام حملاوي “لا تمثل إلا نفسها”.
وبعد انتشار شهادة بن شطاح، التحقت أصوات أخرى بالقضية، أبرزها شهادة مسؤولة الإعلام السابقة في الهلال الأحمر، هاجر زيتوني، التي تحدثت عن تعرضها خلال عملها لإهانات لفظية وقرارات وصفتها بالتعسفية، مؤكدة أنها عانت من ضغط رهيب من قبل ابتسام حملاوي ومحاولات لاستعمالها في قضايا خارج مهامها. وقالت زيتوني إن الخلاف انتهى بإقصائها من منصبها دون مسوغات مهنية واضحة، معتبرة أن أسلوب التسيير لم يكن يعكس طبيعة الدور الإنساني للمنظمة.
وفي السياق ذاته، انتشرت شهادات أخرى من موظفين ومتطوعين سابقين تحدثوا عن ضغوط وظروف عمل صعبة وقرارات قسرية شملت التجميد أو الإقصاء. هذه الشهادات، رغم اختلاف سياقاتها، التقت حول نقطة أساسية وهي اعتبار ما يحدث تعبيرا عن تسيير قائم على الانفراد بالقرار، يُعرّض كل مخالف للأذى.
وعلى إثر هذه المعطيات، ظهرت مطالب من فاعلين جمعويين وشخصيات عامة لفتح تحقيق. من بين هؤلاء المحامية لطيفة ديب التي دعت صراحة إلى إنهاء مهام حملاوي من رئاسة الهلال الأحمر والمرصد الوطني للمجتمع المدني، معتبرة أن ما جرى يمس سمعة مؤسسات الدولة وضرورة حمايتها. وقالت ديب إن الأمر لم يعد خلافا داخليا، بل قضية تتطلب تدخلا أعلى، بالنظر إلى الأثر الذي خلفته على صورة المنظمات الإنسانية في الجزائر.
من جهته، اعتبر المحامي طارق مراح أن ما ورد في شهادتي بن شطاح وزيتوني يشير إلى ما وصفه بوجود تجاوزات خطيرة، ووصفها بأنها تمس بكرامة الأفراد وبالحقوق المكفولة قانونيا، مشيرا إلى أن ما حدث، وفق ما نقله أصحاب الشهادات، يدخل في نطاق أفعال تستوجب المساءلة القانونية.
أما القاضي السابق عبد الله هبول، فقد تساءل عن موقف ممثلي الشعب في البرلمان بغرفتيه، مؤكدا أن ما وقع يستدعي توضيحات رسمية من الهيئات التشريعية، وأن الصمت في مثل هذه الحالات قد ينعكس سلبا على الثقة العامة. وهنا، تحدث النائبان عبد السلام باشاغا وأحمد صادوق، عن ضرورة تحرك أجهزة الدولة للنظر في القضية.
كما دعا الحقوقي بوجمعة غشير إلى فتح تحقيق عاجل لا للتثبت من الوقائع فقط، بل لمراجعة طريقة تسيير المنظمة، مشيرا إلى أن الوقائع المثارة لا تخص بن شطاح وحده، بل سبق تسجيل حالات أخرى مثل قضية الكاتبة زينب مليزي التي تم إيداعها الحبس المؤقت بعد نشرها تعليقا انتقدت فيه أسلوب التسيير داخل الهلال الأحمر. واعتبر غشير أن مثل هذه القضايا تظهر خللا أعمق في إدارة مؤسسات من المفترض أن تكون فضاء مفتوحا للمجتمع المدني.
وفي خضم ذلك، ظهرت مقاربات أخرى للقضية، فقد رأى الناشط سيف الإسلام بن عطية أن استهداف حملاوي، وفق رأيه، يعكس صراعا داخل منظومة أوسع، معتبرا أن المسؤولين في المؤسسات العمومية والجمعوية كثيرا ما يصبحون عرضة للحملات بعد تغيّر سياقات الدعم أو التحالفات.
ورأى أن المشكل لا يتعلق بشخص حملاوي فقط، بل بطبيعة بنية المجتمع المدني في الجزائر، حيث تختلط المسؤولية الإنسانية بالاعتبارات السياسية. وذهب آخرون إلى أن الحملة ضد حملاوي لا يمكن فصلها عن خلافات تنظيمية وولاءات داخل هياكل العمل المدني، معتبرين أن التركيز على شخص واحد قد يخفي أبعادا أوسع تتعلق بتنافس على مواقع القرار داخل المجال الجمعوي. وأبدى بعض النشطاء في هذا السياق، تضامنهم مع حملاوي، معتبرين أن الاتهامات الموجهة لها ليست مسنودة بأدلة.
كما نشرت صفحات ولائية تابعة للهلال الأحمر الجزائري، تدوينات متشابهة تدعو إلى “التحلي بالمصداقية والموضوعية وعدم الانزلاق وراء حملات التشويه التي تستهدف هيئة وطنية ذات طابع إنساني، نذرت نفسها لخدمة المواطن والإنسان دون تمييز”.
وفي ظل تعدد الشهادات وتواترها من مصادر مختلفة، تعززت المطالبة بفتح تحقيق مستقل، خاصة في ظل عدم وجود آليات تقييم واضحة داخل مؤسسات المجتمع المدني ذات الطابع الوطني، ما يجعل من الصعب ضبط المسؤولية أو تحديد الأخطاء عند وقوع تجاوزات أو خلافات، في وقت لا تزال حملاوي تلتزم الصمت إزاء هذه الاتهامات.
وتعد حملاوي من أكثر الأسماء إثارة للجدل في الجزائر، فهي طبيبة عاشت لفترة خارج البلاد، قبل أن تعود وتبرز في الساحة بتوليها رئاسة الهلال الأحمر الجزائري، ثم تكليفها لاحقًا برئاسة المرصد الوطني للمجتمع المدني التابع لرئاسة الجمهورية، والذي يضم آلاف الجمعيات والنشطاء في مختلف الولايات.
وقد أثارت حملاوي جدلاً واسعاً منذ سنوات، خاصة خلال مرحلة ما قبل 2019، إذ كانت من بين الوجوه التي أبدت دعماً صريحاً للعهدة الخامسة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، ما جعل اسمها يرتبط بذلك المسار السياسي. كما بقي في ذاكرة الرأي العام تصريحها حول المظاهرات الشعبية في العاصمة خلال الحراك، حين قالت إن الاحتجاجات كانت تحرمها من القيلولة، وهو تصريح أثار ردود فعل واسعة وانتقادات حادة في ذلك الوقت. وبسبب هذه الصورة التي ارتسمت عنها، ظل حضورها في مواقع المسؤولية محل نقاش وجدل.

تعليقات الزوار
لا تعليقات