أخبار عاجلة

ردود فعل محدودة في الجزائر حول لائحة البرلمان الفرنسي بشأن إلغاء اتفاقية 1968

أثار تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية على لائحة قدمها حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف لإلغاء اتفاقية الهجرة الموقعة بين الجزائر وفرنسا عام 1968، موجة محدودة من ردود الفعل في الجزائر، تتراوح بين الاستنكار والدعوة للتعامل بالمثل مع باريس.

وقد تبنّى البرلمان الفرنسي اللائحة بفارق صوت واحد فقط، ما منحها بعدا رمزيا كبيرا رغم طابعها غير الملزم قانونياً، وأعاد ملف العلاقات الثنائية بين البلدين إلى واجهة النقاش العام عشية إحياء الجزائر الذكرى الحادية والسبعين لاندلاع ثورة أول نوفمبر.

وفي مقدمة المواقف، عبّر النائب عبد الوهاب يعقوبي، ممثل الجالية الجزائرية في فرنسا وعضو اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان والحوار بين الحضارات في الجمعية البرلمانية للمتوسط، عن قلقه العميق ورفضه القاطع للائحة التي وصفها بأنها “إشارة سياسية مقلقة تضعف الطبيعة التاريخية والإنسانية للعلاقات بين الجزائر وفرنسا، وتوجّه رسالة سلبية إلى ملايين المواطنين المتمسكين بالحوار والعدالة والاحترام المتبادل”.

وقال يعقوبي في تصريح له إن اتفاقيات 27 كانون الأول/ديسمبر 1968 كانت ثمرة لتفاهم سياسي وإنساني متوازن، وضمنت على مدى أكثر من نصف قرن حقوق العائلات الجزائرية المقيمة في فرنسا، بما يكفل كرامتها واحترامها لقوانين الجمهورية الفرنسية. وأوضح أن إخضاع الجزائريين للقانون العام المطبق على باقي الأجانب “سيقوّض الثقة المتبادلة بين الشعبين ويُضعف ركائز العلاقة الثنائية”، داعيا إلى تحمّل المسؤولية الجماعية وإعلاء صوت الحكمة للحفاظ على التوازنات التاريخية التي يقوم عليها التعاون بين البلدين.

وجاءت تصريحات يعقوبي متزامنة مع تعليقات جزائرية عديدة على المنصات الاجتماعية حملت في أغلبها لهجة استياء وسخرية من الموقف الفرنسي، إذ كتب بعض المعلقين أن الرد على “أحفاد الكولونيالية” يجب أن يكون بإجراءات رمزية مثل رفع التجميد عن قانون تجريم الاستعمار، أو تعميم اللغة العربية، أو تأميم الممتلكات الفرنسية في الجزائر، فيما رأى آخرون أن إلغاء اتفاقية إيفيان أو مقاطعة السلع الفرنسية سيكونان أفضل رد سياسي واقتصادي.

في المقابل، لم يصدر عن السلطات الجزائرية تعليق رسمي مباشر على اللائحة الفرنسية، ذلك أن الاهتمام الرسمي والحزبي انصبّ على إحياء ذكرى أول نوفمبر 1954، ما جعل أغلب التصريحات السياسية تتركز على قيم الثورة التحريرية ومعاني السيادة الوطنية.

وفي هذا السياق، نشر عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني الموالية للرئيس عبد المجيد تبون، بياناً مطولاً بمناسبة الذكرى، اعتبر فيه أن الجزائر التي وُلدت من رحم المقاومة “لا يمكن أن تتراجع أمام التحديات الجديدة”، مشدداً على ضرورة استكمال الاستقلال السياسي بتحقيق الاستقلال الاقتصادي والثقافي، وعلى وحدة الصف الوطني في مواجهة التحديات.

وبينما استمر التركيز الجزائري على البعد الرمزي لتاريخ نوفمبر، كانت الساحة السياسية الفرنسية تعيش تداعيات تصويت البرلمان الذي تبنّى لائحة التجمع الوطني بدعم من نواب من حزب الجمهوريين ونصف أعضاء حزب “أفق” المنتمي نظرياً إلى الكتلة الرئاسية، في حين عارضتها الحكومة وكتل اليسار.

وقد وصفت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان لحظة التصويت بأنها “تاريخية”، معتبرة أن حزبها حقق للمرة الأولى انتصاراً برلمانياً في قضية تمثل “رمزاً لهوية فرنسا وسيادتها القانونية”. وأكدت أن استمرار الاتفاق “لم يعد مبرراً” لأنه يمنح الجزائريين امتيازات غير منطقية في مجالات الإقامة والعمل ولمّ الشمل العائلي.

ولاحقا، دخل وزير الداخلية السابق برونو روتايو شديد العداء للجزائر على دائرة الخط، داعيا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى “عدم تجاهل” هذا التصويت التاريخي، مشيراً إلى أن الرئيس الذي فوّض البرلمان لإخراجه من أزمته السياسية “لا يمكنه اليوم أن يتغاضى عن إرادة النواب”.

وبينما طالب زعيم الجمهوريين ماكرون باتخاذ موقف “حازم” تجاه الجزائر، اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو أن الاتفاق يجب أن يُعاد التفاوض حوله لأنه “ينتمي إلى حقبة أخرى”، موضحاً أن السياسة الخارجية “لا تُقرر عبر لوائح برلمانية”، لكن مع احترام إرادة النواب الذين عبّروا عن رأيهم.

في المقابل، انتقدت المعارضة اليسارية الخطوة بشدة. فقد وصف جان لوك ميلونشون من حزب “فرنسا الأبية” التصويت بأنه “عار جديد يعيد حروب الماضي”، فيما تساءل أوليفييه فور من الحزب الاشتراكي عن غياب الكتلة الماكرونية التي سمحت بغيابها بتمرير اللائحة.

وبدا انقسام المعسكر الرئاسي واضحاً في أرقام التصويت، إذ لم يشارك سوى 30 نائباً من أصل 92 في الكتلة الرئاسية بالاقتراع ضد اللائحة، فيما امتنع آخرون وغاب عدد كبير عن الجلسة، وهو ما عكس هشاشة الأغلبية الداعمة لماكرون أمام تكتل اليمين.

وترافق الجدل البرلماني ترافق مع نشر تقرير مثير للجدل منتصف أكتوبر قدّر الكلفة المالية السنوية لتطبيق بنود اتفاق 1968 بنحو ملياري يورو، معتبرا أنه يمنح امتيازات متراكمة للجزائريين ويخلّ بمبدأ المساواة أمام القانون. لكن هذا التقرير انتقد من قبل شخصيات من المعسكر الرئاسي نفسه، حيث ذكر برونو فوكس رئيس لجنة الخارجية أنه استخدم تقديرات مبالغاً فيها.

يذكر أن الاتفاق الموقع في كانون الأول/ديسمبر 1968، والذي جاء بعد ست سنوات من استقلال الجزائر، يمنح الجزائريين تسهيلات خاصة في فرنسا، من أبرزها الحصول على شهادة إقامة لمدة عشر سنوات بعد ثلاث سنوات فقط من الإقامة القانونية، وحق الحصول على الإقامة الطويلة للمتزوجين من فرنسيات بعد عام واحد من الزواج، فضلاعن إجراءات مبسطة للمّ الشمل العائلي مقارنة بغيرهم من الأجانب.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات