في لحظة تبدو فيها الأسئلة معلّقة على مستقبل الدولة الموريتانية وقدرتها على سدّ الفجوات بين المركز والأطراف، عاد خطاب التنمية ليتصدر واجهة النقاش الوطني من جديد.
لكن هذه المرة، لم يأتِ في شكل وعود عامة أو خطط بعيدة المدى، بل عبر أكبر برنامج عملي لتوفير الخدمات الأساسية يطال كلّ ولاية وكلّ بلدية موريتانية تقريبًا.
فمن مدينة النعمة بأقصى الشرق الموريتاني، أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني عن إطلاق مرحلة التنفيذ على الأرض لبرنامج تنموي غير مسبوق، وذلك بصورة متزامنة في 11 ولاية موريتانية، وبمشاركة 142 شركة تتحرك في أكثر من 2300 قرية ومدينة.
وجاء هذا الإعلان خلال مهرجان جماهيري، أكد خلاله الرئيس الغزواني أن هذا البرنامج يمثل أولوية وطنية تهدف إلى تقليص الفوارق التنموية، وتعزيز العدالة في توفير الخدمات العمومية، وتمكين الفئات الأكثر هشاشة من الولوج إلى الماء والكهرباء والتعليم والصحة.
وتبلغ الكلفة الإجمالية للبرنامج الذي أُطلق أمس، 26 مليار أوقية جديدة تشمل مرحلتين تنفيذيتين تمتدان حتى نهاية 2027.
ويهدف البرنامج إلى تحقيق تحول تنموي شامل عبر سبعة محاور رئيسية، أولها تعزيز البنية التحتية التعليمية عبر بناء آلاف الفصول وإعادة تأهيل أخرى، وتقريب الخدمات الصحية عبر بناء مراكز استشفائية ونقاط صحية واقتناء سيارات إسعاف، وتأمين الماء الصالح للشرب عبر مشاريع الآبار والشبكات والمضخات، وتعميم الكهرباء وفك العزلة عبر كهربة مئات القرى وتمديد شبكات جديدة؛ وتطوير الزراعة والثروة الحيوانية عبر السدود والحظائر والمسالخ، إضافة لتمكين الشباب عبر التمويلات والحاضنات والتدريب ودعم المقاولات الناشئة».
وأكد الوزير الأول الموريتاني المختار ولد أجاي، في تعليق له على إطلاق البرنامج «أنه بعد رفع التحديات المتعلقة بالتصور والإعداد التشاركيين والتمويل الذاتي والمناقصات الشفافة، يبقي التحدي الأساسي الآن، والذي سيتم رفعه بإذن الله، هو متابعة التنفيذ وفرض الإنجاز بالمواصفات والآجال التعاقدية».
وصادقت الحكومة الموريتانية في نيسان/إبريل الماضي على برنامج توفير الخدمات الأساسية مؤكدة أنه يشمل تعميم البنى التحتية التعليمية من خلال بناء 6114 فصلاً دراسياً وإعادة تأهيل 525 فصلاً دراسياً، وتعزيز التغطية الصحية، وتقريبها من المواطن من خلال بناء مركزين استشفائيين جديدين و6 مستشفيات مقاطعية جديدة و32 مركزاً صحياً و204 نقطة صحية وتحويل 16 نقطة صحية إلى مراكز صحية، وإعادة تأهيل 30 مركزاً صحياً و54 نقطة صحية، واقتناء 126 سيارة إسعاف جديدة.
كما يشمل البرنامج توفير مياه الشرب لضمان ظروف معيشية كريمة للسكان من خلال حفر 917 بئراً ارتوازية، وتجهيز 101 بئر أخرى، وإنجاز 101 شبكة تزويد بالماء وتوسعة للشبكات المائية ومشروع تزويد مياه الشرب لـ 222 بلدة، وزيادة إنتاج مياه الشرب من بحيرة الظهر الجوفية من 12000 إلى 17000 م3/لليوم، وتعزيز الوصول إلى مياه الشرب في المراكز الحضرية، وتجهيز وإنشاء 81 برج مياه، واقتناء 14 صهريجا.
ويشمل هذا البرنامج كذلك تطوير فرص الحصول على الكهرباء للتجمعات الحضرية الكبرى من خلال زيادة إنتاج الكهرباء في 29 مركزاً حضرياً، وكهربة 179 بلدة في الريف وتمديد 58 شبكات كهربائية، إلى جانب تسريع فك العزلة عن المناطق الحضرية ومناطق الإنتاج، بما يضمن الاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها البلاد في قطاعات مثل الثروة الحيوانية والزراعة.
وفي الوقت ذاته، وإلى جانب إطلاق البرنامج، وجّه الرئيس خطابًا سياسيًا طرح فيه دعوة مفتوحة للحوار، مؤكّدًا أن البلد لا يحتمل القطيعة ولا التخوين بين مكونات نخبه، وأن وحدة الجبهة الداخلية أصبحت ضرورة لا مجال لتأجيلها.
وكان الإعلان عن هذا البرنامج فرصة تحدث فيها الرئيس ولد الشيخ الغزواني عن عدة موضوعات بينها الأمن الإقليمي، حيث أكد أن الوضع تحت السيطرة وأن موريتانيا محمية، رغم واقع الحرب في مالي وما يفرزه من تحديات.
وقال «إن البلاد بحاجة إلى تماسك سياسي واسع من أجل إنجاح التحولات الاجتماعية والاقتصادية الجارية، داعيًا جميع القوى والأطراف السياسية إلى المشاركة في الحوار الوطني المرتقب».
وأضاف: لا مبرر للقطيعة بين مكوّنات النخبة السياسية. الاختلاف مشروع، لكن التخوين والإقصاء ليسا كذلك. موريتانيا تسع الجميع، والمصلحة العليا فوق كل الاعتبارات.
وأوضح ولد الغزواني «أنه تلقى تقرير منسق مسار الحوار، وأنه يأمل تنظيم حوار ناجح بمشاركة واسعة».
وأكد الرئيس الغزواني «أن الأوضاع الاقتصادية الوطنية تتحسن بوتيرة ثابتة، حيث سجل الاقتصاد الوطني خلال السنوات الثلاث الماضية نسبة نمو فاقت 6%، مع استمرار تموين الأسواق واستقرار الأسعار».
وأشار إلى أن الأعوام الأخيرة شهدت قفزة نوعية في مختلف القطاعات الخدمية: ففي مجال الكهرباء ، أكد انه تم بناء 4 محطات بسعة 650 ميغاوات ومد آلاف الكيلومترات من خطوط الجهد العالي، وفي مجال التعليم، تم رفع الطاقة الاستيعابية للتعليم العالي من 20 إلى 50 ألف طالب وبناء مؤسسات تكوين جديدة. بينما تم في مجال الصحة، تشييد 137 نقطة صحية، و14 مركزًا صحيًا، ومستشفيين جهويين، مع توسعة للمستشفى الوطني قيد الإنجاز. وفي مجال المياه، تحدث الرئيس الغزواني، عن حفر وتجهيز مئات الآبار وشبكات التوزيع، ومشاريع مائية كبرى في المدن والقرى».
ومع تعداد هذه الإنجازات، فقد أقر الرئيس الغزواني «بوجود نواقص حقيقية في جودة الخدمات»، مؤكداً «أن الحكومة تعمل على تجاوزها تدريجيا».
وهكذا اجتمع في خطاب واحد: الإعلان عن مشروع تنموي ضخم يلامس حياة الناس مباشرة، إلى جانب رسالة تهدئة سياسية، وتأكيد على الأمن الحدودي… ثلاث رسائل تحمل دلالات في توقيت حسّاس؛ فما الذي يعنيه كل ذلك؟ وأيّ صورة يراد رسمها لموريتانيا من خلال هذه الرسائل؟
ولد الغزواني يطلق أكبر برنامج للخدمات الأساسية يطال كلّ ولاية و بلدية موريتانية

تعليقات الزوار
لا تعليقات