أشعل مشروع قانون لتنظيم منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر جدلاً واسعاً، حيث يرى مؤيدوه أنه ضروري لحماية الأمن القومي ووضع حد لما يصفونه بـ"الانفلات"، بينما يعتبره معارضوه خطوة أخرى على طريق نسف فتات حرية التعبير، وسط مخاوف من استخدام السلطات للقانون لتشديد القيود على الفضاء الرقمي، في وقت تشير فيه تقارير حقوقية إلى ارتفاع وتيرة القمع.
وتأتي هذه المبادرة التشريعية بالتزامن مع تزايد ملاحقة النشطاء بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت المتنفس الأخير للمعارضة بعد حظر المسيرات وكافة أشكال الاحتجاج الميداني.
وعبرت منظمات حقوقية وإعلامية وبعض المتابعين عن هواجسهم من أن يكون الهدف الحقيقي للقانون هو تشديد الرقابة على المحتوى الرقمي وتقليص الهامش المتاح للتعبير عن الآراء المعارضة أو المنتقدة للسلطة.
صلاحيات واسعة ونصوص فضفاضة
ويرى المنتقدون أن القانون المقترح يمنح صلاحيات واسعة للسلطات في مراقبة وحجب المحتوى، مما قد يُستخدم بشكل تعسفي للتضييق على النشاط الرقمي، خاصة مع تزايد اعتماد الجزائريين على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار ومنصة للتعبير، في ظل تدجين الإعلام التقليدي.
وتتضمن بنود المبادرة التشريعية نصوصاً فضفاضة قابلة للتأويل، تسمح للسلطات باستخدامها لمعاقبة من تعتبرهم "مخالفين"، بذرائع مختلفة مثل "الإضرار بالمجتمع" أو "نشر الفوضى" أو "المساس بالأمن القومي"، وهي مصطلحات يمكن استخدامها لقمع أي انتقادات سلمية.
تاريخ من التضييق التشريعي
وتندرج هذه الخطوة في سياق تشريعات إعلامية سابقة في الجزائر، مثل "القانون العضوي المتعلق بالإعلام" الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2023، والذي اعتبره البعض انتكاسة لحرية الصحافة وزاد من القيود على عمل الصحافيين ووسائل الإعلام. ونتيجة لذلك، حلّت البلاد في مرتبة متدنية في مؤشر حرية الصحافة العالمي (المرتبة 136 من 180 عام 2023).
في المقابل، يدافع مؤيدو القانون عن ضرورة إرساء "بيئة رقمية منظمة ومسؤولة"، ويؤكدون أن الهدف هو تحقيق توازن بين حرية التعبير وحماية المصالح العليا للدولة والمجتمع. وتشمل دوافعهم المعلنة: حماية الدولة من التهديدات السيبرانية و"الفوضى" التي قد تأتي من الفضاء الرقمي ومنع استغلال هذه المنصات لنشر معلومات تهدد استقرار البلاد.
ويرى متابعون أن النظام الجزائري يركز على الترويج لنظرية المؤامرة لوصف الانتقادات الموجهة للجزائر، وخصوصاً من الخارج، بأنها تهدف إلى "زعزعة استقرار الوطن"، مما يسهل اتهام المعارضة بـالعمالة أو الخيانة.
سياق سياسي متأزم
ويعكس هذا الجدل صراعاً عالمياً حول تنظيم الإنترنت، لكن في حالة الجزائر، يكتسب أبعاداً إضافية نظراً للسياق السياسي الذي يتسم بتضييق متزايد على الحريات منذ حراك 2019، وملاحقة الصحافيين والنشطاء.
واعتقلت السلطات الجزائرية خلال العامين الأخيرين العديد من نشطاء "الحراك" بتهم "المساس بسلامة وحدة الوطن"، مع استمرار الإيقافات التعسفية والمراقبة القضائية المشروطة، ما اضطر العديد من المعارضين لسياسات الرئيس عبدالمجيد تبون إلى الهروب من البلاد خوفاً من قبضة النظام. كما تم حل منظمات حقوقية بارزة، مثل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وتشير تقارير دولية إلى ضغوط دبلوماسية، وملاحقة تستهدف العائلات، وإجراءات منع السفر، حظر العودة، لتضييق الخناق على النشطاء المقيمين في الخارج.
وتدعو منظمات دولية، مثل منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، السلطات الجزائرية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الصحفيين والنشطاء المحتجزين تعسفياً ووقف استغلال الترسانة القانونية الحالية لقمع حرية التعبير واحترام الالتزامات الدولية للجزائر في مجال حقوق الإنسان.

تعليقات الزوار
لا تعليقات