أخبار عاجلة

البعثة الأممية تطلق «الحوار المهيكل» وحكومة حماد والأحزاب الليبية تعترض

تطلق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) هذا الأسبوع فعالية «الحوار المهيكل»، وهي إحدى المكونات الأساسية في خريطة الطريق السياسية التي قدمتها المبعوثة الأممية هانا تيتيه أمام مجلس الأمن الدولي في آب / أغسطس الماضي، وتأتي هذه الخطوة وسط رفض واعتراض من حكومة حماد وتجمع الأحزاب الليبية، بالتزامن مع قرار مجلس الأمن بتمديد ولاية البعثة، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذا المسار وقدرته على إنهاء حالة الجمود السياسي في البلاد.
وبدأت البعثة الأممية الجمعة الماضية في تلقي الترشيحات للمشاركة في الحوار المهيكل الذي أوضحت في بيان لها أنه يهدف إلى تقديم توصيات عملية تُهيئ لإجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات وتعزيز الحوكمة في القطاعات الحيوية، وأكدت أن هذا الحوار ليس هيئة لصنع القرار، بل هو منصة للمشاركة الواسعة للمجتمع الليبي في رسم ملامح العملية السياسية وبناء توافق وطني حول مستقبل البلاد، وسيشمل الحوار نحو مئة وعشرين مشاركاً من مختلف مناطق ليبيا، مع ضمان تمثيل نسائي بنسبة خمسة وثلاثين في المئة، إضافة إلى تخصيص منصة رقمية لإشراك الشباب واستطلاعات للرأي العام، مشيرة إلى أن مخرجات الحوار سترفع إلى المؤسسات الحكومية ذات الصلة، كما بيّنت البعثة أن الحوار سيتناول القضايا العالقة من المسارات السياسية السابقة وسيضع آلية لتعزيز تنفيذ مخرجاته.
وفي خضم الجدل الدائر حول المبادرات الأممية، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا بالإجماع يقضي بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حتى الحادي والثلاثين من أكتوبر لعام ألفين وستة وعشرين، وقد جاء القرار ليجدد الدعم الكامل لجهود المبعوثة الأممية هانا تيتيه وخريطة الطريق التي طرحتها في أغسطس الماضي، والتي تهدف إلى إنهاء الانقسام وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات وطنية شاملة، ويضمن القرار الذي صاغته المملكة المتحدة توصيات تدعو إلى جعل الحل السياسي محور عمل البعثة، وتنفيذ المراجعة الإستراتيجية التي أوصت بتوسيع وجودها في مدن بنغازي وسبها، وإنشاء قسم اقتصادي مخصص لدعم المسار المالي، وشدد القرار على تولي البعثة دورًا قياديًا في تنسيق الجهود الدولية ضمن مسار برلين، ودعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، مؤكدًا أنه لا حل عسكريًا في ليبيا، ومجددًا الدعوة إلى سحب القوات الأجنبية والمرتزقة وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر عام ألفين وعشرين.
وقوبل قرار التمديد ودعم الخريطة بترحيب غربي واسع، حيث أكد المندوب الأمريكي دعم بلاده لعمل البعثة وخريطة الطريق الأممية، مشيرًا إلى أن الهدف الأسمى يبقى في قيام حكومة ليبية واحدة وموحدة قادرة على بسط السيادة وتحمل مسؤوليتها الأمنية، بينما رحّبت بريطانيا، بصفتها مقدمة مشروع القرار، بالتصويت بالإجماع، مؤكدة أن التفويض الجديد يعزز دور البعثة في دعم عملية سياسية يقودها الليبيون، وفي المقابل، أيّدت روسيا القرار معتبرة أنه يعكس التوصيات الجوهرية للمراجعة الإستراتيجية التي تمنح البعثة زخمًا جديدًا، داعية إلى توسيع وجود البعثة في جميع أنحاء البلاد وتنشيط عمل عملية برلين، إضافة إلى تسريع الحوار الليبي لإنهاء المرحلة الانتقالية الطويلة.
في الجهة المقابلة، لم يمر إعلان البعثة عن الحوار المهيكل وخريطة الطريق دون اعتراضات داخلية، فقد انتقدت حكومة حماد ما وصفته بتجاوز البعثة الأممية للمراحل الأولى من خريطة الطريق المتعلقة بتنفيذ الإطار الانتخابي وتوحيد المؤسسات دون تقديم أي توضيحات، محذّرة من «مغبة النهج الاستفزازي» الذي اعتبرته تعديًا على سيادة البلاد، وكانت المبعوثة الأممية هانا تيتيه قد أوضحت في إحاطتها أمام مجلس الأمن في أغسطس الماضي أن خريطة الطريق تتألف من ثلاث مراحل رئيسية، أولها اعتماد إطار انتخابي فني سليم يمهد للانتخابات الرئاسية والتشريعية، تليها المرحلة الثانية الخاصة بتوحيد المؤسسات وتشكيل حكومة موحدة جديدة، ثم المرحلة الثالثة التي تتمثل في الحوار المهيكل الذي يعنى بتقديم توصيات سياسية تعالج أسباب الصراع طويلة الأمد.
كما عبّر تجمع الأحزاب الليبية عن رفضه الكامل لما يسمى بـ»الحوار المهيكل»، و»النهج العبثي» الذي تتبعه البعثة، معتبرًا أن هذه الخطوات تمثل استمرارًا لنهج لم يسفر إلا عن مزيد من الانقسام والفوضى والتأجيل المتكرر للاستحقاقات الوطنية، وذكر التجمع في بيانه أن فكرة «الحوار المهيكل» هي في جوهرها استمرار لسياسة الدوران في حلقة مفرغة، مشيرًا إلى أنه لا يمكن مناقشة قضايا الحوكمة والأمن والمصالحة الوطنية في ظل غياب سلطة تنفيذية شرعية قادرة على التنفيذ، وتساءل البيان كيف يمكن الحديث عن حوكمة في ظل غياب من يحكم، وعن أمن بينما السلاح خارج سيطرة الدولة، مستغربًا من طريقة إدارة البعثة للدعوات للمشاركة في الحوار واختيارها للمشاركين بشكل غير ملزم بترشيحات الأحزاب، ومُعلنة مسبقًا أنها من ستُعد نتائجه، معتبرًا ذلك استخفافًا بالعملية السياسية الوطنية، وأكد البيان أن ما يجري يعكس بوضوح أن الهدف لم يعد الوصول إلى حل حقيقي للأزمة الليبية، بل إدارة الأزمة وتأجيلها عمدًا، مشددًا على أن أي حوار لا ينبثق من إرادة ليبية خالصة ولا يستند إلى قاعدة دستورية واضحة وجدول زمني محدد للانتخابات هو حوار محكوم عليه بالفشل، داعيًا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى احترام سيادة ليبيا والعمل الجاد نحو إجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات، مؤكدًا أن الحل لن يأتي عبر «الحوار المهيكل» بل من إرادة ليبية خالصة تُترجم في صناديق الاقتراع ودستور يعبّر عن الجميع.
ويبدو أن انطلاق الحوار المهيكل سيكون محفوفًا بالكثير من التحديات في ظل اعتراضات داخلية قوية ترى فيه مجرد إعادة إنتاج للأزمات ونسفًا لمبدأ الشراكة، مما يضع البعثة الأممية أمام اختبار حقيقي لمدى قدرتها على بناء التوافق الوطني المطلوب لإنجاح خريطة الطريق والانتقال بالبلاد نحو انتخابات شاملة ومستقرة، وهو الهدف الذي أكدت المبعوثة الأممية أن البعثة ستعمل على تيسيره كمنصة تشاورية جامعة تتيح لمختلف المكونات الليبية المساهمة في بناء توافق وطني يمهد لانتخابات شاملة ومستقرة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات