قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إن أعداد القتلى والجرحى من المدنيين جراء اجتياح قوات الدعم السريع مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، قد تصل إلى المئات، مشيرة إلى توثيق حالات اغتصاب جماعي وانتهاكات وصفتها بـ«الخطيرة».
وأوضحت المفوضية أن قوات الدعم السريع شنت منذ الخميس قبل الماضي هجمات عنيفة على المدينة، انتهت بسيطرتها على الفاشر يوم الأحد الماضي، ما أدى إلى موجة نزوح واسعة ومعاناة إنسانية متزايدة.
وأكدت أن المعلومات الواردة تشير إلى احتمال وقوع جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي في الفاشر ومحيطها، إضافة إلى انتهاكات مشابهة في مدينة بارا بولاية شمال كردفان، داعية إلى تحقيقات مستقلة وسريعة وشفافة ومحاسبة المسؤولين عنها.
وذكرت المفوضية أنها تلقت منذ اندلاع الهجوم في 23 تشرين الأول/اكتوبر الماضي روايات مروعة من شهود عيان، تحدثت عن إعدامات ميدانية، وقتل جماعي، وعمليات اغتصاب، وهجمات على العاملين في المجال الإنساني، ونهب واختطاف وتهجير قسري.
كما أفادت أن مدنيين فرّوا من الفاشر في «رحلة مروعة» إلى منطقة طويلة الواقعة على بعد 60 كيلومترًا غرب المدينة، وأن المفوضية تلقت مقاطع فيديو وشهادات صادمة توثق انتهاكات جسيمة.
وأضافت المفوضية أنها تلقت تقارير عن مقتل مرضى وجرحى داخل مستشفى السعودي للولادة، وفي مبانٍ بحي درجة أولى كانت تُستخدم كمراكز طبية مؤقتة، وكذلك في مطار الفاشر. كما أشارت إلى تعرض ما لا يقل عن 25 امرأة للاغتصاب الجماعي داخل ملجأ للنازحين قرب جامعة الفاشر عند دخول القوات المدينة.
من جانبها، حذرت منسقية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية «أوتشا» من أن المدنيين المحاصرين في الفاشر يواجهون أوضاعًا إنسانية كارثية، إذ يُحرمون من الغذاء والمياه والاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، مشيرة إلى أن المساعدات الإنسانية منقطعة عن المدينة منذ أكثر من 500 يوم.
وفي سياق متصل، قالت شبكة أطباء السودان الجمعة، إن نحو 4500 شخص نزحوا من مدينة بارا بشمال كردفان بعد استعادة قوات الدعم السريع السيطرة عليها السبت الماضي، إثر معارك مع الجيش السوداني.
وأوضحت الشبكة أن نحو 1900 نازح وصلوا إلى مدينة الأبيض، بينما ما يزال الباقون في طريقهم وسط ظروف قاسية ونقص حاد في الغذاء والمياه والمأوى. وأشارت إلى أن موجة نزوح متسارعة تشهدها الولاية نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية واستمرار الانتهاكات ضد المدنيين.
وأفادت تقارير الفرق الميدانية التابعة للشبكة بأن غالبية الأسر النازحة وصلت في حالة إنهاك شديد، وسُجّلت إصابات بالإسهال وسوء التغذية خصوصًا بين الأطفال وكبار السن. كما حذرت من أن المرافق الصحية في الأبيض تعمل فوق طاقتها وسط نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية والكوادر العاملة.
وأدانت شبكة أطباء السودان ما وصفته بـ«عمليات التهجير القسري» ضد المدنيين في بارا، معربة عن قلقها البالغ إزاء تفاقم الأزمة الإنسانية، داعية المنظمات الدولية والسلطات المحلية إلى تدخل عاجل لتوفير الإغاثة والدعم الطبي للمتضررين.
كما ناشدت منظمة الصحة العالمية وشركاء القطاع الصحي دعم المرافق الطبية في مدينة الأبيض، مؤكدة أن استمرار النزوح الحالي ينذر بأزمة إنسانية جديدة ما لم يتم التحرك الفوري لتدارك الموقف.
السودان يتهم طيراناً أجنبياً بقصف الفاشر بغاز محظور
وفي السياق اتهم مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس الحارث، طيراناً أجنبياً بدعم قوات الدعم السريع في تنفيذ غارات على مواقع للجيش السوداني بمدينة الفاشر، مستخدماً ما قال إنه غاز محظور دولياً.
وجاءت تصريحات إدريس خلال جلسة مجلس الأمن الدولي التي عُقدت، يوم الخميس، لمناقشة التطورات الأخيرة في الفاشر عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة في 26 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، بعد معارك استمرت عدة أشهر.
وقال المندوب السوداني في كلمته إن «الطيران الأجنبي الداعم تدخل طوال الأسبوع الماضي واستهدف مواقع الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش بغاز الأعصاب المحظور دولياً»، داعياً مجلس الأمن إلى إدانة هذا التدخل وفتح تحقيق فوري في الواقعة.
وطالب إدريس المجلس بتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية وتجريم المتعاملين معها، إلى جانب فرض عقوبات على الدول والأفراد الذين يقدمون لها التمويل والسلاح. كما دعا إلى بدء تحقيق دولي في ما وصفه بـ«الإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحق سكان الفاشر»، مؤكداً أن الحكومة السودانية لن تتفاوض مع قوات الدعم السريع ما لم تُلقِ سلاحها.
ويأتي ذلك في وقت يتهم فيه السودان دولة الإمارات العربية المتحدة بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وكان قد قدّم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن ضد أبو ظبي.
وقال الحارث أن القوات المهاجمة ارتكبت «انتهاكات واسعة بعد سيطرتها على المدينة»، مشيراً إلى تصفية 460 مريضاً داخل المستشفى السعودي ومقتل نحو 2000 مدني خلال اجتياح الفاشر، إلى جانب عمليات نهب وقتل جماعي، وفقاً لما قاله أمام المجلس.
وأوضح إدريس أن ما يجري في الفاشر «يمثل امتداداً لنمط ممنهج من القتل والتطهير العرقي» الذي تمارسه قوات الدعم السريع منذ اندلاع القتال في نيسان/أبريل 2023، مشيراً إلى أن المدينة تشهد «مأساة إنسانية مروعة» شبيهة بما حدث في غرب دارفور ضد قبيلة المساليت.
وأشار إلى أن منظمة الصحة العالمية وثقت مقتل نحو 450 مريضاً ومرافقاً داخل المستشفى السعودي، الذي وصفه بأنه كان آخر مرفق صحي عامل قبل تدميره أثناء الحصار. كما اتهم قوات الدعم السريع بـ«استهداف المدنيين والعاملين في المجال الإنساني»، مستشهداً بانتهاكات قال إنها وقعت في مدينة بارا بشمال كردفان.
ووصف إدريس مدينة الفاشر بأنها أصبحت «رمزاً جديداً للمأساة الإنسانية»، متهماً جهات إقليمية ودولية بتقديم «الدعم السياسي والمالي والعسكري والإعلامي» لقوات الدعم السريع.
وأضاف أن الحكومة السودانية سبق أن حذرت مجلس الأمن منذ العام الماضي من «الطبيعة الإجرامية» لما وصفه بـ«المنظومة الإرهابية القبلية» التي تقودها أسرة واحدة، ولا تمتلك ـ حسب قوله ـ «أي شرعية وطنية أو دستورية».
وكشف إدريس عن تقديم بلاده أدلة موثقة للمجلس حول استعانة قوات الدعم السريع بـ«مرتزقة أجانب من دول الجوار وأخرى في أمريكا اللاتينية»، مؤكداً أن عمليات التجنيد والتمويل والتهريب تتم «برعاية وإشراف من جهة إقليمية معروفة»، لم يسمّها.
وعبر عن استياء بلاده من تقاعس مجلس الأمن عن اتخاذ إجراءات عملية لمحاسبة الجهات الداعمة، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الجرائم الممنهجة ضد المدنيين في دارفور.
إدانة واسعة لانتهاكات الفاشر
في الأثناء، تصاعدت الإدانات المحلية والدولية للانتهاكات الواسعة التي طالت المدنيين في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، عقب سيطرة قوات الدعم السريع عليها الأسبوع الماضي، في وقتٍ دعت فيه قوى سياسية ومنظمات حقوقية إلى فتح ممرات آمنة وإجراء تحقيقات دولية مستقلة لمحاسبة المسؤولين عن ما وُصف بـ«جرائم ضد الإنسانية».
وقالت مجموعة محامو الطوارئ في بيان، إنها تدين «بأشد العبارات الجرائم المروعة» التي ترتكبها قوات الدعم السريع في الفاشر، مشيرة إلى أن مقاطع مصوّرة أظهرت عمليات تصفية جماعية لمدنيين وأسرى من الجيش والمجموعات المتحالفة معه.
وأوضحت المجموعة أن الهجمات التي تشهدها المدينة منذ الأحد الماضي تمثل امتداداً لحملة عسكرية متواصلة منذ أكثر من عام ونصف، معتبرة أن هذه الأفعال «تشكل سلوكاً ممنهجاً يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».
وأضاف البيان أن «آلاف المدنيين اضطروا للنزوح من المدينة هرباً من القتال، لكن القوات المعتدية لاحقتهم وصفّت بعضهم ميدانياً بدوافع انتقامية»، في حين أظهرت مقاطع مصوّرة قيام عناصر من الدعم السريع بتصفية أسرى حرب بعد استسلامهم، في مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
ودعت المجموعة الآلية الأممية الخاصة بالسودان والمنظمات الحقوقية الدولية إلى التحرك العاجل للتحقيق في الانتهاكات ومساءلة المسؤولين عنها.
اتهامات رسمية بارتكاب إبادة جماعية
وفي السياق، اتهم وكيل وزارة الخارجية السودانية، حسين الأمين، قوات الدعم السريع بارتكاب «أعمال إبادة جماعية» بحق المدنيين في الفاشر، مشيراً إلى أن الدعم السريع «توثق جرائمها وتبثها على العلن بدون رادع أو محاسبة». وقال الأمين خلال مؤتمر صحافي بالخرطوم إن الدعم السريع لم تلتزم بقرار مجلس الأمن رقم 2736 الداعي إلى فك الحصار عن الفاشر، مؤكداً أن الحكومة السودانية قدمت أدلة للمجلس تثبت استعانة القوات بمرتزقة أجانب عبر وكلاء إقليميين.
ودعا الأمين إلى تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية، واتخاذ إجراءات عاجلة بحق داعميها، مشدداً على أن الحكومة «ماضية في حماية المدنيين وتحقيق السلام الشامل في البلاد».
تحذيرات حكومية من تفاقم الكارثة
من جانبها، وصفت نائبة مفوض العون الإنساني، منى نور الدائم، ما شهدته الفاشر خلال اليومين الماضيين بأنه «مأساة كبرى»، مؤكدة مقتل أكثر من 2000 مواطن، إلى جانب «تصفية المرضى والجرحى داخل المستشفيات واغتصاب النساء أثناء فرارهن».
وانتقدت نور الدائم ما وصفته بـ«الصمت الدولي تجاه الكارثة الإنسانية»، مؤكدة أن الجثث ما تزال ملقاة في الشوارع وأن الدعم السريع تستهدف القوافل الطبية وتختطف العاملين الإنسانيين مطالبة بفدى مالية، مشيرة إلى مقتل خمسة متطوعين من جمعية الهلال الأحمر في بارا.
بدوره، قال وزير الثقافة والإعلام والسياحة، خالد الإعيسر، إن الهجمات على الفاشر «أسفرت عن مقتل أكثر من 2377 شخصاً»، واصفاً ما جرى بأنه «يفوق فظاعة هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة». ودعا الوزير إلى تصنيف الدعم السريع تنظيماً إرهابياً ومحاسبتها على «جرائمها».
واتهم الإعيسر الإمارات بـ«التورط في جرائم الإبادة والتطهير العرقي» التي شهدتها الفاشر، منتقداً ما وصفه بـ«ازدواجية المعايير الدولية»، ومؤكداً أن الحكومة السودانية «ماضية في ترسيخ دولة العدالة الخالية من الميليشيات».
مناوي: الفاشر ستنهض من رمادها
وفي كلمة مصوّرة، قال حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، إن الفاشر والقرى المحيطة بها شهدت «مجازر وإبادة وحشية» ارتكبتها «ميليشيا الدعم السريع الجنجويد»، مشيراً إلى أن مقاتليها تلقوا تعليمات بـ«عدم توثيق الجرائم في محاولة لطمس الحقيقة».
وأضاف مناوي أن «أهل الفاشر وقفوا شامخين رغم الدمار، وأن المدينة ستنهض من جديد»، داعياً المواطنين إلى الصمود والوحدة الوطنية، مشدداً على ضرورة توثيق الجرائم ومحاسبة الجناة، محذراً في الوقت نفسه من «الدعم الخارجي الذي تعتمد عليه الميليشيا».
نداءات عاجلة للتحرك الدولي
أصدرت منظمات طبية وحقوقية محلية بيانات متزامنة دعت فيها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية إلى «التحرك الفوري لوقف المجازر وحماية المدنيين»، محذّرة من صعوبة توثيق الانتهاكات بسبب الانفلات الأمني وانقطاع الاتصالات في الفاشر.
وفي بيان عاجل، عبّر مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ من تدهور الأوضاع الإنسانية في المدينة، مشيراً إلى وقوع «عمليات تصفية خارج القانون، وعنف جنسي، واحتجاز مئات المدنيين في مناطق شقرة ومحيطها». ودعا المرصد إلى فتح ممرات إنسانية آمنة لإجلاء السكان وضمان وصول المساعدات بدون قيود، محذّراً من أن صمت المجتمع الدولي «يشجع على استمرار الجرائم ويجعل حماية المدنيين مسؤولية أخلاقية وإنسانية مشتركة».
ردود أفعال سياسية ودولية متواصلة
اعتبر تحالف «صمود» أن ما يجري في الفاشر «ينذر بتحول الحرب إلى صراع انتقامي»، داعياً جميع الأطراف إلى احترام القانون الدولي الإنساني وفتح الممرات الإنسانية الآمنة.
كما دعا مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد، إلى إرسال مراقبين دوليين وفرق من الصليب الأحمر لإجلاء المدنيين ووقف القتل على أساس الهوية، فيما أكد خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، أن ما تمر به الفاشر «يتطلب إجراءات عاجلة لحماية السكان».
وفي مواقف متطابقة، عبرت الخارجية الألمانية والأمم المتحدة عن قلقهما العميق من تصاعد العنف، ودعتا إلى وقف فوري لإطلاق النار وتوفير ممرات إنسانية.
وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن المدنيين في السودان «محاصرون بكابوس من العنف والجوع والتهجير»، فيما طالب مساعده للشؤون الإنسانية توم فليتشر بضمان سلامة المدنيين وفتح ممرات آمنة في الفاشر.
وفي واشنطن، دعا مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية مسعد بولس قوات الدعم السريع إلى «وقف الانتهاكات وحماية المدنيين»، مؤكداً أن «العالم يراقب أفعالها بقلق بالغ».

تعليقات الزوار
لا تعليقات