يتواصل في مختلف المدن المغربية التفاعل الشعبي الواسع مع القرار الأممي رقم 2797 الذي جدّد دعم المجتمع الدولي لجهود المغرب من أجل إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء في إطار مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
هذا القرار مثّل بالنسبة للمغاربة ـ مؤسسات وشعبًا ـ “انتصارًا دبلوماسيًا وتاريخيًا”، توّج سنوات من العمل الميداني والدبلوماسي بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس، خاصة أنه يأتي على بعد أيام قليلة من ذكرى المسيرة الخضراء، والتي أعد لها المغاربة العدة للاحتفال بمرور نصف قرن على “استرجاع” الأقاليم الجنوبية المغربية التي كانت تحت الاستعمار الإسباني.
وكان مجلس الأمن قد اعتمد يوم الجمعة الماضي القرار رقم 2797 الذي يجدد ولاية بعثة “المينورسو”، ويدعو الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات استنادًا إلى مبادرة المغرب للحكم الذاتي.
حديث وطني جامع
مباشرة بعد الإعلان عن نتيجة تصويت أعضاء مجلس الأمن، بقي حدث واحد مهم في أجندة المغاربة قبل الخروج إلى شوارع المدن للتعبير عن الفرحة والاحتفال بهذا “القرار التاريخي”، وهو خطاب العاهل المغربي الذي بثته القنوات التلفزيونية والإذاعات المحلية، وعبّر فيه عن الاعتزاز والفرحة بهذا القرار، واعتبره “فتحاً جديداً” في مسار ترسيخ مغربية الصحراء ووحدة الأراضي المغربية. وأكد الملك أن بلاده دخلت مرحلة فاصلة في تاريخها: “هناك ما قبل 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وهناك ما بعده”.
مساء الجمعة، كانت شوارع المدن المغربية شاهدة على أن القرار الأممي الأخير لم يعد مجرد محطة دبلوماسية، بل تحوّل إلى حدث وطني جامع، أثار موجة من الفخر الشعبي وعزّز الثقة في المسار السياسي للمغرب.
بدا الفرح جليا في خروج أعداد كبيرة من المواطنين إلى الشوارع في مدن مغربية متعددة، حاملين الأعلام الوطنية، وحناجرهم تصدح بهتافات وطنية وموسيقى. تحولت الساحات والشوارع إلى فضاءات تجمعات شعبية ضخمة، والسيارات تطلق الأبواق، وزغاريد النساء تعلو، والشباب والشيوخ يرفعون شعارات تعبر عن مغربية الصحراء والتشبث بوحدة أراضي المغرب.
برزت المدن في الأقاليم الجنوبية للبلاد كمنارة للاحتفال، ففي العيون والداخلة والسمارة وبوجدور وطانطان وغيرها، كانت الأجواء ذات دلالة خاصة، إذ اعتُبرت هذه اللحظة “انتصارا دبلوماسيا” وتكريسا لمغربية الصحراء. أما من الشمال إلى الجنوب، فقد عاشت مدن عديدة مظاهر الفرح، من الرباط وساحة باب الأحد وشارع محمد الخامس والساحة المقابلة للبرلمان، إلى الدار البيضاء وفاس والعيون وجدة ومراكش وطنجة، حيث احتشد المواطنون في مسيرات عفوية معبرة عن الاعتزاز الوطني.
ولم تقتصر تغطية الحدث على الإعلام المحلي، بل تناولته وكالات دولية مثل رويترز، التي أكدت أن الاحتفالات امتدت من الشمال إلى الجنوب، مع تركيز إعلامي خاص على العيون والداخلة كمراكز الأقاليم الجنوبية.
مواقف الأحزاب
الإجماع نفسه عبّرت عنه الأحزاب السياسية المغربية بأغلبيتها ومعارضتها، حيث نشرت بيانات تعبر عن مواقفها بعد صدور القرار الأممي رقم 2797.
واعتبر حزب “التجمع الوطني للأحرار” الذي يقود الحكومة، القرار تتويجًا للجهود الدبلوماسية للمملكة المغربية، مهنئاً العاهل محمد السادس، كما رحّب بالدعوة الملكية للمحتجزين في تندوف إلى العودة والاندماج ضمن مؤسسات الحكم الذاتي.
ورحّب حزب “الأصالة والمعاصرة” (أغلبية) بالخطاب الملكي وتحيين مبادرة الحكم الذاتي، واعتبر القرار تأكيدًا لمصداقية المقاربة المغربية. أما حزب “الاستقلال” (أغلبية)، فقد وصف الخطاب والقرار الأممي بـ “مرحلة جديدة وتحول تاريخي”، داعياً إلى استثمار الزخم في خطوات سياسية ودبلوماسية عملية.
ومن جهتها، عبرت أحزاب المعارضة عن فرحتها وترحيبها بالقرار، حيث وصفه حزب “الحركة الشعبية” بأنه يمثل “اعترافاً دولياً بمبادرة الحكم الذاتي”، فيما اعتبر حزب “التقدم والاشتراكية” أنه تحوّل مهم يستوجب مواصلة الجهود الدبلوماسية والسياسية. أما حزب “الاتحاد الاشتراكي”، فقد رحب بالقرار ووصفه بـ “بداية فتح جديد” لترسيخ السيادة المغربية على الصحراء، داعياً إلى استثمار المكتسبات الجديدة. وأصدر حزب “العدالة والتنمية” بيانا هنأ فيه بحرارة العاهل محمد السادس وعموم الشعب المغربي بقرار مجلس الأمن الذي وصفه بـ”التاريخي”.
بوريطة يتحدث
أطل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أول تصريح إعلامي له بعد اعتماد القرار الأممي، من خلال حوار تلفزيوني على القناة الثانية (دوزيم)، مؤكدا أن القرار يمثل نقطة تحول تاريخية لموقف المغرب في ملف الصحراء ويمنح المغرب شرعية دولية معززة للتوصل إلى حل.
وأوضح بوريطة أن مقاربة المغرب قائمة على مبادئ الملك محمد السادس: “لا غالب ولا مغلوب”، أي التوصل إلى تسوية تحفظ السيادة المغربية وتمكّن سكان الأقاليم الجنوبية من حكم ذاتي.
وتطرّق وزير الخارجية إلى عملية التصويت داخل مجلس الأمن، مشيرا إلى تدخل العاهل المغربي شخصياً خلال الأيام الأخيرة قبل التصويت، مؤكدا أن المغرب سيستثمر القرار الأممي في دفع مسار الحكم الذاتي وتنمية الأقاليم الجنوبية.
وقال إنه ولأول مرة، “يتعلق الأمر بقرار أممي يتحدث عن السيادة المغربية على الصحراء المغربية، أي أن الحكم الذاتي أصبح حلا وليس مقترحا كما كان في القرارات السابقة”، معتبرا أن الأمر يتعلق بـ”قرار تاريخي” حيث لم تصوت أي دولة ضده.
كما شدد بوريطة على أن العلاقة مع الجزائر ستبقى مبنية على الحوار المباشر، وأن حل المشاكل أصبح “أقرب من أي وقت مضى”، لكنه أشار إلى أن ذلك يتطلّب إرادة سياسية من جميع الأطراف. واعتبر القرار الأممي ليس مجرد انتصار سياسي، بل خطوة حاسمة في مسار تسوية النزاع الإقليمي، مؤكداً استعداد المغرب للدخول في مفاوضات فعلية ضمن إطار السيادة المغربية.
اتحاد الكتاب
على مستوى تفاعل هيئات المجتمع المدني، أصدر “اتحاد كتاب المغرب” بيانا بهذه المناسبة التي وصفها بالتاريخية، حيث توجه بتهانيه الصادقة إلى الملك محمد السادس وإلى الشعب المغربي، مثمّنًا الجهود الدبلوماسية الهادئة والفعالة للعاهل المغربي ولمختلف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، في الدفاع عن الحق الوطني المشروع.
واعتبر البيان القرار الأممي “انتصارا جديدا وتتويجا للدبلوماسية المغربية الرصينة، واعترافا متجددا بسيادة المغرب على صحرائه ووحدته الترابية، وبالنهج الواقعي والحكيم والبناء الذي اعتمدته المملكة المغربية في معالجة هذا الملف”.
وبعدما جدد اتحاد كتاب المغرب “دعمه الثابت والمبدئي لمغربية الصحراء”، دعا المثقفين والكتّاب المغاربة، داخل البلاد وخارجها، إلى تجسيد هذا المكسب السياسي التاريخي في مشاريع فكرية وثقافية وإبداعية وتنموية، تعزز حضور الأقاليم الصحراوية الجنوبية كفضاء للكرامة والإبداع والتسامح والمواطنة الحقة.
وأضاف البيان أن اتحاد الكتاب “يحرص على التزامه التام بالوقوف، إلى جانب كلّ القوى الوطنية، في سبيل ترسيخ قيم الوحدة والحرية والتنمية المستدامة في جميع ربوع المملكة المغربية، ويغتنم مناسبة هذا المكسب التاريخي الكبير، للترحم على أرواح شهداء معارك الدفاع عن حوزة الوطن في أقاليمنا الجنوبية”.

تعليقات الزوار
لا تعليقات