أخبار عاجلة

اليمين المتطرف الفرنسي يمرر بفارق صوت واحد لائحة في البرلمان بإلغاء اتفاقية 1968 مع الجزائر

في حدث غير مسبوق تشهده الجمعية الوطنية الفرنسية، صوّت النواب لصالح لائحة مقدمة من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف تدعو إلى “إلغاء” الاتفاق الفرنسي الجزائري للهجرة الموقع سنة 1968، وذلك بفارق صوت واحد فقط.

وفي ما وُصف بـ”الزلزال السياسي”، تم تبني اللائحة التي حازت على 185 صوتا مقابل 184، بدعم من نواب حزب الجمهوريين (LR) ونصف أعضاء حزب “آفاق” (Horizons) الذي أسسه رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب المنتمي نظريا للكتلة الرئاسية، فيما عارضتها كتل اليسار والنواب المقرّبون من الرئيس إيمانويل ماكرون، إضافة إلى الحكومة نفسها.

ورغم أن اللائحة لا تحمل طابعًا تشريعياً ولا تُلغي الاتفاق بحد ذاته، فقد طالبت لوبان الحكومة “بأخذ تصويت البرلمان بعين الاعتبار” معتبرة أنه “لم يعد هناك ما يبرر استمرار هذه الاتفاقية التي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة في مجالات الإقامة والعمل في فرنسا”.

وتنص اتفاقية 1968 على بعض الامتيازات للجزائريين منها حصولهم على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد 3 سنوات فقط من الإقامة مقابل 5 سنوات للآخرين، وحق الجزائري المتزوج من فرنسية في الحصول على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد عام واحد من الزواج وغيرها، إلى جانب امتيازات تتعلق بلم الشمل العائلي.

 

ووصفت لوبان لحظة التصويت بأنها “تاريخية” بالنسبة لحزبها، لأنه للمرة الأولى ينجح التجمع الوطني في تمرير نص داخل الجمعية الوطنية رغم المعارضة الشديدة من باقي الأطياف السياسية. وقالت “لقد نلنا اعترافا برلمانيا بمطلب لطالما تجاهله النظام الحاكم منذ عقود”، في إشارة إلى دعوات حزبها السابقة لإلغاء الاتفاق الذي ترى فيه ”امتيازًا غير مبرر” للجزائريين.

وفي ردود الفعل على هذا التصويت، كتب زعيم حزب “فرنسا الأبية” جان لوك ميلونشون على منصة “إكس”: “عار على التجمع الوطني الذي لا يزال يشن حروب الماضي دون نهاية”. أما أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، فهاجم الكتلة الماكرونية متسائلًا: “أين كان الماكرونيون؟ وأين كان غابريال أتال؟”، في إشارة إلى غياب رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب  ماكرون “النهضة” عن التصويت.

وأضافت رئيسة الكتلة البيئية سييرييل شاتلين بدورها أن “الصوت الذي كان ينقصنا لهزيمة اليمين المتطرف هو صوت غابريال أتال نفسه”. ورغم هذا الغياب، فإن أتال كان قد عبّر في يناير الماضي عن رغبته في “إعادة التفاوض حول اتفاق 1968” ووضع “حدود واضحة” للعلاقة مع الجزائر، لاسيما بعد حادثة توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، غير أن مجموعته رفضت دعم نص التجمع الوطني بدعوى أنه “ينطوي على مغزى سياسي متطرف”.

ومن بين 92 نائباً في الكتلة الماكرونية، لم يحضر سوى 30 للتصويت ضد اللائحة، فيما امتنع ثلاثة عن التصويت. كما سُجل غياب في صفوف باقي الكتل: من أصل 72 نائباً من حزب فرنسا الأبية شارك 52 فقط، ومن بين 69 اشتراكياً صوّت 53، فيما حضر 32 من أصل 38 نائباً بيئياً، وستة فقط من أصل 17 في الكتلة الشيوعية والمناطق ما وراء البحار. كذلك، شارك 12 نائباً من حزب الحركة الديمقراطية (MoDem) لرئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو في الاقتراع، عشرة منهم صوّتوا ضد اللائحة واثنان امتنعوا، بينما من بين 22 نائباً في كتلة “ليوت” صوّت اثنان لصالح النص وواحد ضده.

وبدا على مارين لوبان، التي تابعت التصويت من مقاعد حزبها، الاحتفاء بالنتيجة وسط تصفيق حار من نواب التجمع الوطني الذين رفعوا شعارات تقول إن “العدالة تمت” و”فرنسا استعادت كرامتها القانونية”. غير أن الحكومة الفرنسية التزمت الصمت في انتظار تقييم سياسي ورسمي للخطوة التي لا تُلزمها قانوناً لكنها تُظهر هشاشة التحالف البرلماني الداعم للرئيس ماكرون، بعدما فشل في تأمين حضور كافٍ لإسقاط اللائحة بفارق صوت واحد فقط.

وفي خلفية هذا التصويت، كانت الساحة السياسية الفرنسية قد عرفت جدلا واسعا قبل أسبوعين بنشر تقرير برلماني شديد اللهجة حول الاتفاق نفسه. التقرير الذي أعدّه النائب الماكروني شارل رودويل قُدِّم في 15 أكتوبر 2025، وقدّر الخسائر المالية الناتجة عن استمرار تطبيق بنود اتفاق 1968 بنحو ملياري يورو سنوياً تتحملها المالية العامة الفرنسي، وهي أرقام احتج عليها كثيرون في فرنسا واعتبروها مجانبة للصواب.

وبحسب التقرير، يستفيد الجزائريون في فرنسا من “امتيازات متراكمة” تشمل تسهيلات في منح الإقامة وتصاريح العمل ولمّ الشمل، مع إعفاءات من بعض الإجراءات التي تُطبّق على باقي المهاجرين من دول أخرى. ويؤكد النائب أن هذه “الاستثناءات القانونية” تمثل “انحرافات عن مبدأ المساواة أمام القانون” وأن كلفتها تتجاوز الأثر المالي المباشر لتصل إلى “اختلالات في إدارة الهجرة والاندماج”.

وأشار التقرير إلى أن الاتفاق الذي وُقع في ديسمبر 1968، في سياق ما بعد الاستقلال الجزائري، كان يرمي إلى “تنظيم الهجرة العمالية الجزائرية” لكنه لم يعد ينسجم مع الواقع الحالي، إذ يمنح حاملي الجنسية الجزائرية معاملة تفضيلية حتى بعد أكثر من نصف قرن من توقيعه. وذكر رودويل أن النظام الحالي يستثني الجزائريين من عدد من القوانين الفرنسية الحديثة المتعلقة بالهجرة، ومنها قوانين 2003 الخاصة بالتجمع العائلي، مما يجعلهم “الفئة الوحيدة من المهاجرين غير الخاضعة لتشريعات الهجرة العامة في فرنسا”.

كما تحدث التقرير عن “صعوبات في تقييم التكلفة الحقيقية” نتيجة نقص البيانات وتردد الإدارات في تحليلها، مقدراً أن الكلفة الإجمالية تتراوح بين ملياري يورو و2.3 مليار يورو سنوياً، منها ما بين 200 و300 مليون يورو من النفقات الإدارية الإضافية. وخلص إلى توصيات تدعو إلى “إصلاح شامل” لقانون دخول وإقامة الأجانب بما يجعل الجزائريين خاضعين لنفس القواعد التي تنطبق على باقي المهاجرين في فرنسا، من أجل “تصحيح خلل تاريخي” على حد وصفه.

انقسام في المعسكر الرئاسي

وفي تأكيد واضح على انقسام المعسكر الداعم لماكرون حيال هذا الاتفاق، قال برونو فوكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية والناطق باسم حزب “الحركة الديمقراطية”، إن مبادرة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف لإلغاء اتفاق الهجرة الموقع بين فرنسا والجزائر عام 1968 تمثل “استفزازاً غير ضروري وضارّاً”، موضحاً أن الاتفاقات الثنائية لا يمكن تعديلها أو الانسحاب منها من طرف واحد، بل يجب أن يتم ذلك “في إطار من الحوار والاحترام المتبادل بين البلدين”.

وأضاف فوكس، في حوار مع جريدة “الخبر” الجزائرية، أن هذا الاتفاق “تم تعديله بالفعل عدة مرات في السابق، ويمكن إعادة النظر فيه مجدداً، لكن فقط بطريقة تشاورية ومسؤولة”. واعتبر أن خطوة حزب التجمع الوطني “تندرج في إطار لعبة سياسية داخلية فرنسية، لا علاقة لها بالدبلوماسية ولا بالمصالح الحقيقية للدول”، مضيفاً أن “هذا الحزب يستغل العلاقة الفرنسية الجزائرية لتغذية أجندة هوية وشعبوية، دون أي اعتبار للتبعات الواقعية”.

وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية أنه لا يرى داخل صفوف التجمع الوطني “رجل دولة أو امرأة دولة قادرة على استيعاب تعقيد العلاقة الثنائية بين باريس والجزائر”، مشيراً إلى أن كثيراً من النواب الذين دعموا المقترح “لا يعرفون حتى ما تبقى فعلياً من اتفاق 1968 مقارنة بنصه الأصلي”، وقال ساخراً: “يمكن عدّ الذين يعرفون الإجابة الصحيحة على أصابع اليد الواحدة، وربما أكون كريماً معهم”.

وفي تعليقه على التقرير البرلماني الأخير الذي أعده نائبان من المعسكر الرئاسي وقدّرا فيه تكلفة الاتفاق بنحو ملياري يورو سنوياً، رفض فوكس هذه التقديرات بشكل قاطع، معتبراً أنها “كلام فارغ وغير مثمر”، مضيفاً: “ولِمَ لا خمسة مليارات أو حتى عشرة؟ إن مثل هذه الأرقام لا تستند إلى أساس واقعي، ولا تأخذ في الحسبان الفوائد المتبادلة التي يحققها الاتفاق على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي”.

وأوضح أن التقرير نفسه يعترف باستحالة تحديد هذه الكلفة بدقة، مشيراً إلى أنه “من غير المنطقي التركيز على الأرقام المجردة في وقت تمر فيه العلاقات الثنائية بمرحلة حساسة تتطلب التهدئة والحوار”. وأكد أن “هذا الكلام الفارغ هو نتيجة جمود السلطتين التنفيذيتين في بلدينا، مما يفسح المجال أمام التكهنات والجدل البرلماني غير المفيد”.

وشدد فوكس على أن العلاقات بين فرنسا والجزائر “لا يمكن اختزالها في أرقام مالية”، مذكراً بأن “البلدين يتقاسمان أكثر من ستة ملايين شخص مزدوج الجنسية، إضافة إلى مصالح اقتصادية متشابكة وتاريخ مشترك عميق”. وقال إن “الوقت حان ليكون الشعبان أكثر استراتيجية وأن ينتقلا من منطق الكلام الفارغ إلى منطق الفاعلية الاقتصادية والصناعية والثقافية، فهذه هي التي تخلق الثروة، لا المواقف الشكلية”.

ويأتي هذا الحدث في مناخ سياسي متوتر بين باريس والجزائر، تخللته ملفات خلافية تتعلق بقضية الصحراء الغربية، والهجرة وترحيل المهاجرين والذاكرة، ما جعل النقاش حول اتفاق 1968 مادة أساسية في الحملات البرلمانية والإعلامية. ويمنح تصويت البرلمان الأخير هذا الجدل بعدا جديدا، إذ أعاد إلى الواجهة انقسام الطبقة السياسية الفرنسية بين من يدعو إلى مراجعة الاتفاق في إطار تفاوضي مع الجزائر، ومن يريد إلغاءه من طرف واحد بدافع اعتبارات انتخابية داخلية.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات