أعلن فرحات مهنا، زعيم الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل، أنّ المؤتمر الاستثنائي للحركة المنعقد في باريس صوّت بالإجماع لصالح خيار الاستقلال، في خطوة عدّها وفاء للوعد الذي قطعه قبل أشهر للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حين وجّه إليه رسالة رسمية حذّره فيها من أن تجاهل مطالب الشعب القبائلي سيُعتبر ترخيصا بإعلان الاستقلال عن الجزائر.
وبعد أن قابلت الرئاسة الجزائرية رسالته المؤرخة في 13 شتنبر الماضي بالصمت، والتي دعا فيها إلى تنظيم استفتاءٍ "سلمي وشفاف لتقرير مصير القبائل"، خرج مهنا من منفاه في باريس ليحوّل التهديد إلى واقع، معلنا أمام أنصاره عن "ميلاد دولة القبائل الحرة" ابتداء من دجنبر المقبل.
وذكر فرحات مهنا، في حديث لـ "الصحيفة" أن هذه الخطوة تأتي تتويجا لمسار طويل من التصعيد بين حركة "الماك" والنظام الجزائري، بلغ ذروته حين اختار مهني التاريخ والساعة بدقّة رمزية تعيد إلى الذاكرة معركة إيشيريدن سنة 1857، حيث فقدت القبائل سيادتها أمام فرنسا، راغبا في أن يربط الماضي بالحاضر، وأن يوجّه رسالة إلى النظام الجزائري بأن الهوية التي قُمعت بالسلاح والقانون قد "استعادت اليوم صوتها بالقرار" تعبيرة.
واتّهم مهنا في تصريح لـ "الصحيفة" السلطة الجزائرية بـ"الاستعمار الداخلي" و"إغلاق كل أبواب الحوار"، مؤكدا أن الشعب القبائلي "لم يجد في دولته وطنا، بل وصاية عسكرية تخشى الكلمة الحرة" وأضاف أن تجاهل تبون لرسالته "لم يكن سوى تأكيد على أن النظام لا يعترف بالاختلاف ولا بحقّ المكونات في تقرير مصيرها" ليختم بإعلان وصفه كثيرون بأنه أخطر تحدٍّ لوحدة التراب الجزائري منذ 1962.
وبينما التزمت الرئاسة الجزائرية صمتا مطبقا، كانت باريس تشهد لحظة وُصفت بالتاريخية، إذ رفع مهني علم القبائل أمام حشد من أنصاره مرددا "عاش شعب القبايل" في لحظةٌ أعادت إلى الواجهة سؤالا ظلّ مؤجّلا في الجزائر هل فشلت الدولة في استيعاب تنوّعها إلى حدّ أن أحد مكوناتها قرّر أن يستعيد حريته منفردا؟
وأكد فرحات مهنا، زعيم "الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل" المعروفة اختصارًا بـ"الماك"، أنه مساء 14 دجنبر 2025، عند الساعة السادسة وسبعٍ وخمسين دقيقة مساء، سيتم إعلان استقلال منطقة القبائل عن الجزائر رسميا في خطوة غير مسبوقة بعتبرها أنصاره بـ "لحظة استعادة الكرامة والحرية بعد قرنٍ ونصف من فقدان السيادة".
وعمدت الحركة إلى بث بلاغ مطوّل بُث عبر القنوات والمنصات الرسمية التابعة للحركة، قال فيه مهنا إنه "يشرف على أقدس مهمة يمكن أن يضطلع بها إنسان في حياة أمة، وهي إعلان استقلالها"، مشيرا إلى أن القرار لم يكن انفعاليا أو فرديا، بل ثمرة إجماع المؤتمر الاستثنائي للحركة المنعقد في باريس بتاريخ 19 أكتوبر 2025، والذي صوّتت فيه كلّ التنسيقيات الممثلة للجاليات القبائلية في الخارج لصالح خيار الاستقلال، بعد ما وصفه بـ"انغلاق الأفق السياسي داخل الجزائر وتعنت النظام العسكري ورفضه المتكرر لأيّ مسار تفاوضي أو استفتاء لتقرير المصير".
وذكر بلاغ الحركة، أن اختيار التوقيت الدقيق للإعلان، في الساعة 18:57، هو استحضار رمزي لمعركة إيشيريدن التي جرت سنة 1857، حين فقدت القبائل سيادتها أمام الجيوش الاستعمارية الفرنسية، معتبرا أن إعلان 2025 يشكل "ردا تاريخيا متأخرا على تلك اللحظة، واسترجاعًا للسيادة الروحية والسياسية التي سُلبت منذ قرنٍ ونصف".
وقال مهنا إنّ "القبائل ستستعيد حريتها رغم أنف جميع من ينكرها، فلا القمع ولا الاعتقال ولا التعذيب يمكن أن يطفئ شعلة الاستقلال في قلوب القبائل"، مضيفًا أنّ كل محاولة لإسكات الصوت الحرّ "لا تزيدنا إلا إصرارا على المضي نحو الكرامة والاستقلال".
ويُنظر إلى هذا الإعلان بوصفه تتويجا لمسار تصعيدي بدأ منذ أشهر، بعدما رفعت حركة "الماك" من سقف خطابها السياسي والدبلوماسي، إذ كثّفت من تحركاتها في أوروبا وأمريكا الشمالية مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لتمكين منطقة القبائل من "حقها في تقرير المصير" وفق المواثيق الأممية، كما أعلنت عن تشكيل لجنة خارجية لتقديم ملفها إلى الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي.
في المقابل، اعتبرت السلطات الجزائرية الحركة "منظمة إرهابية" منذ سنة 2021، متهمة إياها بالتورط في أعمال تخريبية والتحريض على الكراهية والانفصال، وهو ما تنفيه قيادة "الماك" جملة وتفصيلا، مؤكدة أن نشاطها سلمي ومدني، وأنّ القمع الذي تواجهه يعكس "خوف السلطة من صوتٍ حرّ يفضح هشاشة الوحدة الوطنية المفروضة بالقوة".
وتاريخيا، تنبع جذور القضية القبائلية من تفاعلات طويلة بين الدولة المركزية الجزائرية والمجتمع الأمازيغي في الشمال، لاسيما في ولايتي تيزي وزو وبجاية، حيث شكلت مسألة الهوية واللغة مركز توترٍ متواصل منذ الاستقلال فعلى الرغم من الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة وطنية في الدستور، ظلّ الإحساس بالتهميش الثقافي والسياسي حاضرا بقوة في الوعي الجمعي للقبائل، وهو ما غذّى شعورا بالاغتراب داخل الوطن، واستُثمر من قبل فرحات مهنا وحركته كمدخل لبناء خطاب يقوم على فكرة “الاستعمار الداخلي” وضرورة استرجاع السيادة الذاتية.
وإعلان مهنا لا يحمل في الواقع أي أثر قانوني داخل الجزائر، إذ لا يسمح الدستور بأيّ مسطرة انفصال أو تقرير مصير داخلي، كما أن الدولة الجزائرية قائمة على مبدأ "الوحدة الترابية غير القابلة للتفاوض" ومع ذلك، يراهن مهنا على الشرعية الأخلاقية والرمزية، مؤكدا أن الإعلان يمثل "خطوة سياسية لتحريك الضمير الدولي تجاه قضية القبائل" أكثر مما هو تأسيس لكيانٍ مؤسساتي فعلي على الأرض، مستندا إلى سوابق دولية مشابهة مثل كوسوفو وتيمور الشرقية التي بدأت بمبادرات رمزية قبل أن تتحول إلى اعترافات متراكمة.
ويبدو أن حركة "الماك" تراهن على كسب تعاطف الرأي العام الدولي من خلال خطاب إنسانيّ وحقوقيّ، يركّز على مفهوم “الاستعمار الداخلي” والقمع الممنهج للهوية والثقافة الأمازيغية، وتعمل على حشد دعم رمزي من بعض الشخصيات البرلمانية والمنظمات في أوروبا ومع أنّ فرص الاعتراف الدولي بدولة القبائل تكاد تكون معدومة في السياق الحالي، إلا أن الإعلان بحدّ ذاته يرسخ واقعا جديدا في الذاكرة السياسية الجزائرية، ويحوّل المسألة القبائلية من مطلبٍ ثقافي إلى قضية سياسية ذات طابع دولي.
وفرحات مهنا الذي يعيش في المنفى منذ سنوات، لم يُخفِ في بيانه أن الإعلان خطوة أولى نحو ما سمّاه "دولة القبائل الحرة"، متوعدا بمواصلة النضال "مهما كلّف الأمر" ومؤكدا أن الحركة لن تتراجع أمام "آلة القمع الجزائرية" واختتم كلمته بالقول: "تحيا القبائل حرّة ومستقلة" وهي العبارة التي رددها أنصاره في مقاطع مصوّرة من تيزي وزو وبجاية وباريس.
تعليقات الزوار
لا تعليقات