أخبار عاجلة

تصريح عابر عبد العزيز بلخادم يثير جدلا واسعا في الجزائر

أحدثت تصريحات رئيس الحكومة الأسبق في الجزائر، عبد العزيز بلخادم، حول مراجعة تقييد العهدات، موجة جدل واسعة في الجزائر، بعدما فُهمت على نحوٍ ملتبس بأنها دعوة إلى فتح العهدات الرئاسية، رغم أن الرجل قصد حصراً العهدات البرلمانية.

وساهم تقديم هذه التصريحات التي وردت في بودكاست “للتاريخ” الذي تبثه قناة “الخبر تي في”، على أنها دعوة لفتح العهدات دون تحديد نوعها، في إذكاء هذا الجدل، ما جعل كثيرين يربطون بين حديثه الراهن وتاريخه السياسي، خاصة مشاركته في تعديل دستور 2008 الذي سمح للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بالبقاء في الحكم نحو عقدين.

وفي حديثه، قال بلخادم في البودكاست إنّ “التمثيل النيابي تعبير عن سيادة الشعب، وهو وحده من يقرر من يستمر في المسؤولية أو يُستبدل”، موضحاً أنه يرفض تقييد العهدات البرلمانية بعهدتين فقط، لأن الناخب هو صاحب الكلمة الأخيرة. وأضاف أنه “إذا كان الشخص صالحاً فلماذا يُحرم من الترشح من جديد؟”، مؤكداً أنّ المسألة قابلة للنقاش وليست من القطعيات.

وأشاد بلخادم في المقابل بمساعي الرئيس عبد المجيد تبون لتشبيب الحياة السياسية وتمكين الشباب، لكنه أصر على أن تقييد التمثيل النيابي “تضييق على الإرادة الشعبية” أكثر مما هو ضمانة لتداول السلطة، وذلك في إشارة للمادة المثيرة للجدل في دستور 2020 التي تحصر العهدات النيابية في اثنتين فقط.

لكن هذا التصريح المقتضب الذي جاء عرضا في سياق سرد تاريخي لسيرة بلخادم، تحوّل بسرعة إلى مادة للمضاربة السياسية على مواقع التواصل. ذلك أن التاريخ السياسي الحساس لصاحبه الذي يعد من أبرز مساندي الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، أعاد إلى الأذهان تجربة فتح العهدات الرئاسية سنة 2008، وجعل الكثيرين يقرؤون حديث بلخادم كرسالة سياسية مبطّنة.

وفي قلب هذا الجدل، قدّم الكاتب الصحافي نجيب بلحيمر قراءة تحت عنوان “حديث خارج الزمن”، رأى فيها أن المشكلة لم تكن في كلام بلخادم نفسه، بل في الطريقة التي عُرض بها، والتي أدت بردود الأفعال إلى السير في اتجاه واحد، وهو أن الأمر يتعلق أيضاً برفع القيد عن العهدة الرئاسية”.

وأضاف بلحيمر أنّ هذا التأويل اكتسب زخماً خاصاً لأن صاحب التصريح هو نفسه من كان واجهة تعديل 2008 الذي مكّن بوتفليقة من حكم البلاد عشرين سنة، موضحاً أن “تقييد العهدات في المجالس المنتخبة يمثل حالة شاذة في الدول الديمقراطية”.

وانتقد الكاتب ما وصفه بـ“التصحر السياسي” الذي جعل من النقاش حول الخلافة والتمديد للرئيس موضوع السياسة الوحيد في الجزائر، قائلاً إنّ “النظام يعيش حالة لا استقرار مزمنة لا يستطيع تجاوزها إلا من خلال توافقات ظرفية تنتجها تجاذبات بين مراكز القوى، وهو ما يبقيه خارج سياق التاريخ”. وأضاف أنّ اهتمام الرأي العام بموضوع العهدات “لا يتجاوز حدود الفضول، لأن النخب السياسية لم تعد موجودة فعلياً، وما بقي من النقاش العام لا يغطي على الأولويات التي يفترض أن يتصدى لها الجزائريون لإنقاذ وطنهم”. وخلص بلحيمر إلى أن مجرد الخوض في موضوع العهدات بعد تجربة بوتفليقة “يبدو خارج الزمن، لأن الجزائر التي أسقطت نظام العهدات المفتوحة لا يمكن أن تبرر اليوم العودة إليها”.

وفي الاتجاه ذاته، رأى الناشط إسلام بن عطية أنّ الجدل حول العهدات ليس معزولاً عن دينامية السلطة، بل يعكس ما سماه “منعرج الحوار الدستوري ومأزق العهدة”. وحذر من أي محاولة لتعديل المادة 88 من الدستور التي تحدد العهدتين الرئاسيتين، معتبراً أن المساس بها “مغامرة سياسية غير محسوبة العواقب”. ودعا النخب السياسية إلى “التحول من موقع الرفض إلى موقع المبادرة”، والدفاع عن الدستور باعتباره خط الدفاع الأخير عن الجمهورية.

في المقابل، حاولت أصوات أخرى تهدئة النقاش، معتبرة أن تصريحات بلخادم “مُجتزأة ومُؤوَّلة”. وقال الناشط عبد المالك عريبي إن “حديث عبد العزيز بلخادم كان متزناً وواقعياً، إذ حصر فتح العهدات في المجالس المنتخبة محلياً وبرلمانياً كما هو معمول به في دول ديمقراطية عديدة، ولم يتطرق إطلاقاً إلى العهدة الرئاسية”.

في المقابل، عبّر بعض المعلقين عن مواقف أكثر حذراً، مؤكدين أن “حديث بلخادم في ظاهره متزن لكنه يعكس ذهنية سياسية تعتبر البقاء في الكرسي نوعاً من الاستقرار”. وكتب أحدهم أن “المشكل في الجزائر ليس في فتح العهدات فقط، بل في عقلية التمسك بالمناصب لعقود، وكأنها ملكية خاصة لا وظيفة مؤقتة لخدمة الشعب”.

أما فريق ثالث فقد دعم موقف بلخادم بشكل صريح، معتبرين أن تقييد العهدات البرلمانية يتناقض مع مبدأ السيادة الشعبية. وعلّق أحدهم بالقول: “أنا مع بلخادم في فتح العهدات التشريعية وليس الرئاسية، فغلقها ظلم للإرادة الشعبية، بلخادم رجل سياسة يُخطئ ويصيب لكنه صادق فيما طرحه”.

وبين هذه الآراء المتباينة، بدا واضحاً في ظل تجربة بوتفليقة التي تركت ندوبا كبيرة بمحاولتها تكريس الرئاسة مدى الحياة، أن الحديث عن العهدات لم يعد مجرد تفصيل دستوري، بل أصبح مقياساً لمدى استعداد النظام السياسي لتكريس منطق التداول على السلطة.

وكان الرئيس عبد المجيد تبون، قد بنى جزءا كبيرا من مصداقية خطابه السياسي خلال العهدة الأولى على فكرة احترام الدستور والعهدات النيابة. وانعكس ذلك في دستور 2020 الذي أدرج المادة المتعلقة بتقييد العهدات الرئاسية إلى اثنتين فقط، ضمن المواد الصمّاء غير القابلة للتعديل.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات