خففت الولايات المتحدة بدفاعها عن الحكم الذاتي كحل وحيد لنزاع الصحراء من الضغط الجزائري على بعض الدول الأوروبية ، وخاصة إسبانيا وفرنسا، التي ترتب عن تأييدها للسيادة المغربية أو دعم الحكم الذاتي أزمة كبيرة مع الجزائر.
ورغم اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء إلا أنها المرة الأولى التي تقدم فيها على تحرير مسودة قرار في مجلس الأمن يتضمن ضرورة إجراء مفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو على أرضية الحكم الذاتي، مؤكدة على “حكم ذاتي حقيقي”. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اعترف بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020، ولم يكن لإدارته الوقت الكافي لتقديم مقترح لمجلس الأمن الدولي يتضمن الحكم الذاتي حلا، بينما اكتفت الإدارة اللاحقة بزعامة جو بايدن بعدم تغيير الاعتراف دون مبادرة متطورة في هذا الشأن.
واكتفت الجزائر بانتقاد المبادرة الأمريكية بنوع من الليونة دون الإقدام على سحب السفير الجزائري من واشنطن أو وقف الواردات الأمريكية. وهذا عكس بعض القرارات التي اتخذتها ضد دول تعتبرها ذات تأثير كبير في نزاع الصحراء، وخاصة فرنسا وإسبانيا.
وكانت الجزائر قد سحبت سفيرها من العاصمة مدريد خلال سنة 2022 بسبب ما اعتبرته انحيازا اسبانيا لصالح المغرب في نزاع الصحراء، كما أوقفت الواردات من إسبانيا. وكان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز قد اعتبر أن الحكم الذاتي يعتبر حلا واقعيا للنزاع. واستمرت الأزمة طيلة سنتين قبل عودة السفير الجزائري واستئناف المبادلات التجارية على مستوى الواردات.
وعندما اعترفت فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء خلال السنة الماضية، أقدمت الجزائر على سحب سفيرها يوم 30 يوليو من السنة الماضية، وتأجيل تبادل الزيارات على مستوى رئيسي البلدين، وكذلك إلغاء صفقات مع شركات فرنسية، والرهان أكثر على إيطاليا وألمانيا.
غير أن هذه المرة يختلف الأمر، حيث لا يمكن للجزائر توجيه انتقادات لدولة يرأسها رئيس من طينة دونالد ترامب معروف بمواقفه المفاجئة إلى مستوى الانتقام. وتراهن الجزائر في المقابل على الموقف الروسي والصيني للتأثير على نص المشروع الذي تقدمت بها واشنطن لمجلس الأمن الدولي، حيث ينتظر صدور قرار جديد حول الصحراء هذا الأسبوع.
وتؤكد مصادر سياسية رفيعة المستوى ومقربة من حكومة مدريد أن الموقف الأمريكي يخفف الضغط الجزائري على دول مثل إسبانيا وفرنسا، بل والاتحاد الأوروبي، إذ تدرك الجزائر أن مسار دعم الحكم الذاتي دوليا تتزعمه الولايات المتحدة حاليا.
والواقع أن غالبية الدول الغربية إما تؤيد سيادة المغرب على الصحراء مثل حالة الولايات المتحدة وفرنسا وإما أنها تعتبر الحكم الذاتي الحل الأمثل للنزاع، وهو اعتراف ضمني بسيادة المغرب. وعلى ضوء هذا، فإن انخراط الغرب في دعم الحكم الذاتي مقابل موقف الجزائر الرافض، سيجعلها في مواجهة الغرب في هذا الملف الشائك الذي اندلع منذ أكثر من نصف قرن ولم يجد بعد طريقه للحل.

تعليقات الزوار
لا تعليقات