تجدد الجدل في فرنسا والجزائر عقب تصريحات أدلى بها وزير النقل الفرنسي فيليب تابارو، عبّر فيها عن رفضه لفكرة تقديم بلاده أي اعتذار رسمي عن الحقبة الاستعمارية، معتبرا أن فرنسا لا يجب أن تعتذر لا عن الماضي ولا عن الحاضر.
وجاءت تصريحات الوزير، المنتمي إلى حزب "الجمهوريين" والمشارك في حكومة سيباستيان لوكورنو الثانية، خلال مقابلة مع قناة CNews الفرنسية يوم الجمعة الماضي، حيث أوضح أن المرحلة الراهنة تتطلب التعامل مع الجزائر بوضوح وصلابة، مؤكدا أنه يؤيد عودة العلاقات الثنائية ضمن تعاونٍ متوازن وموقف حازم.
وأثارت هذه التصريحات نقاشا واسعا داخل الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا، إذ اعتبر بعض المعلقين أن الوزير عبّر عن موقف يعكس رؤية جزء من الطبقة السياسية الفرنسية التي تميل إلى طي صفحة الماضي دون اعتذارات رمزية، فيما رأى آخرون أن مثل هذه المواقف قد تعقّد مسار الحوار التاريخي بين البلدين.
الجدل أخذ بعدا إضافيا بعد تداول معطيات تتعلق بخلفية الوزير، إذ يُعدّ فيليب تابارو نجل روبرت تابارو، أحد قادة منظمة الجيش السري (OAS) التي كانت تنشط خلال حرب الجزائر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث علّق النائب الفرنسي توماس بورت على ذلك عبر منصة "إكس"، قائلا إن "الاستعمار بالنسبة إليه مسألة عائلية"، في إشارة إلى هذه الصلة التاريخية، ما زاد من حدة النقاش العام حول الموضوع.
وفي الجزائر، لقيت تصريحات الوزير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المحلية، حيث وُصفت بأنها تعبير عن استمرار الخلافات في النظرة إلى الماضي الاستعماري، دون صدور رد رسمي من الحكومة الجزائرية حتى الآن.
وتأتي هذه التطورات في سياق دبلوماسي حساس بين البلدين، إذ ما تزال العلاقات الجزائرية الفرنسية تمر بمرحلة فتور منذ صيف 2024، حين اعترفت باريس بسيادة المغرب على الصحراء ودعمت مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط.
وقد تبعت ذلك سلسلة من الإجراءات المتبادلة، شملت تجميد التعاون الأمني وتعليق العمل باتفاقيات قنصلية، إضافة إلى خلافات بشأن استقبال بعض الرعايا الجزائريين الخاضعين لأوامر مغادرة الأراضي الفرنسية.
كما عاد إلى واجهة النقاش اتفاق عام 1968 المنظم لإقامة الجزائريين في فرنسا، بعدما دعا سياسيون فرنسيون إلى مراجعته بدعوى "عدم التوازن في الامتيازات" التي يمنحها للمهاجرين الجزائريين مقارنة بغيرهم.
وتحاول الحكومتان منذ مطلع عام 2025 إعادة بناء جسور الثقة عبر قنوات دبلوماسية هادئة، لكن تصريحات وزير النقل الفرنسي أعادت ملف الذاكرة إلى الواجهة، وهو ملف لطالما مثّل أحد أكثر القضايا حساسية في العلاقات بين البلدين منذ استقلال الجزائر عام 1962.

تعليقات الزوار
لا تعليقات