سلّط تقرير حديث، الضوء على التنامي المقلق لظاهرة العصابات في المدن العربية، حيث تتصاعد موجات العنف، والقتل، والخطف، والاتجار بالمخدرات، في مشهد يعكس تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، تداخلت فيها عوامل الفقر والتهميش مع الفراغ القيمي وغياب الأفق لدى فئات واسعة من الشباب.
ووفق التقرير الذي نشرته شبكة "يورونيوز"، فان هذه العصابات، التي باتت وجها جديدا للفوضى في الحواضر العربية، لم تعد محصورة في أعمال السرقة أو الشغب، بل تحولت إلى كيانات منظمة تمارس العنف العلني وتفرض نفوذها على الأحياء والمناطق المهمشة.
وأشار التقرير إلى أن خريطة هذه العصابات، تمتد من الأحياء الهامشية في الجزائر، حيث تطورت أنماط نشاطها من الجرائم الفردية إلى ممارسات أشبه بالجريمة المنظمة، تشمل تهريب المخدرات وترويجها، والابتزاز، والاعتداءات العلنية بأسلحة بيضاء، وسط ضعف في الردع المجتمعي وتآكل منظومات القيم التقليدية.
ففي الجزائر - يشير التقرير - عادت السيوف لتفرض حضورها الدموي في القرن الحادي والعشرين، محولة أحياء كاملة إلى ساحات مواجهة بين مجموعات شبابية مسلحة، وهو ماتوثقه مقاطع الفيديو المنتشرة لمشاهد عنف مروعة تتجاوز السرقة إلى التعذيب والتنكيل، كما في حادثة بواسماعيل التي صدمت الرأي العام، تلتها جرائم مشابهة في مدن كالشلف والأغواط، حيث ضبطت السلطات أكثر من 55 كيلوغراما من الكوكايين النقي في عملية واحدة الأسبوع الماضي.
واعتبر التقرير أن تداخل معالم الفقر واليأس مع تجارة المخدرات التي وجدت في الأحياء الفقيرة، جعلتها تربة خصبة لانتشارها، في ظل انسداد آفاق التشغيل وتراجع دور المؤسسات الاجتماعية بالجزائر التي تجني أموالا طائلة من عائدات البترول والغاز .
أما في تونس، فالعنف بات وباءً يطال البيوت قبل الشوارع، حيث أفاد التقري أن الإحصاءات غير الرسمية تشير إلى ارتفاع معدل جرائم القتل العمد خلال 2025 مقارنة بالعام السابق، فيما تحولت بعض الأحياء الشعبية إلى بؤر للجريمة المنظمة والعنف اليومي.
وأضاف تقرير "يويرونيوز" أن عربات المترو والحافلات في تونس أصبحت هدفا للعبث والتخريب، والمخدرات تنتشر بين المراهقين كبديل عن الأمل، وهي الفوضى التي تعبّر عن "العنف الكامن في المجتمع" الناتج عن التهميش وضعف الانتماء وانهيار السرديات الثقافية الجامعة.
وانتقل تقرير "بويرونيوز" ليبسط خريطة العنف في مصر، حيث أشار انها تتخذ مظهرا أكثر اتساعا، يمتد من الصعيد إلى الدلتا، فجرائم القتل الوحشية في الخانكة والأقصر والفيوم وأسيوط لم تعد حوادث معزولة، بل مؤشرات على موجة عنف تتغذى من انتشار مخدر "الشابو" شديد التأثير، الذي يدفع متعاطيه إلى سلوك عدواني وهلاوس مدمرة.
كما برزت جماعات محلية تمارس البلطجة وفرض الإتاوات في أحياء مكتظة، مستغلة ضعف الرقابة وتراجع الوازع الاجتماعي، في مشهد يعيد إلى الواجهة ظاهرة "الفتوّات" القديمة بثوب جديد.
وفي المغرب، اعتبر التقرير ذاته، أن عصابات المدن انتقلت من الطابع المحلي إلى الانخراط في شبكات إجرامية عابرة للحدود، حيث أن تقارير أمنية تشير إلى تورط مجموعات مغربية في أنشطة مرتبطة بتهريب المخدرات وغسل الأموال عبر مشاريع وهمية، مع توسع نشاطها في المدن الكبرى.
ولم تعد هذه العصابات بحسب التقرير ذاته، تكتفي بالسرقة وفرض الإتاوات، بل لجأت إلى أساليب أكثر تطورا، مثل الابتزاز الإلكتروني وتزوير الوثائق والاختراق المالي، ما يجعلها جزءا من منظومة إجرامية متكاملة تتجاوز الحدود الجغرافية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات