أخبار عاجلة

قضية كريستوف غليز تشعل توترات جديدة بين الجزائر وفرنسا

تثير قضية الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، المحكوم عليه بالسجن سبع سنوات في الجزائر بتهمة “تمجيد الإرهاب”، جدلا واسعا بين الجزائر وفرنسا، بعد أن تحولت من مجرد ملف قضائي إلى أزمة سياسية وإعلامية بين البلدين.

وقد أعاد الحكم الأخير الصادر عن محكمة تيزي وزو، والقاضي بتأكيد العقوبة بحق الصحافي البالغ من العمر 36 عاماً، تسليط الضوء على عمق التوترات الثنائية، وفتح الباب أمام ردود فعل حادة في باريس، قابلتها ردود معاكسة من صحف جزائرية رأت في الضجة الفرنسية حملة سياسية تستهدف مؤسسات الدولة الجزائرية.

وتعود القضية إلى مايو 2024 حين دخل غليز الجزائر تحت غطاء “السياحة” بهدف إنجاز تحقيق صحافي حول فريق شبيبة القبائل. وبعد فترة قصيرة، أوقف ووضع تحت الرقابة القضائية قبل أن تصدر في حقه، خلال يونيو من العام نفسه، عقوبة بالسجن سبع سنوات بتهمة “الإشادة بالإرهاب”، وهي تهمة تنفيها عائلته بشكل قاطع، وتؤكد أنها قامت بكل شيء “بهدوء” على أمل عدم تسييس الملف.

وبعد الاستئناف، أكدت محكمة تيزي وزو الحكم كاملا، ما أثار موجة غضب واسعة في فرنسا، بدءاً بالرئيس إيمانويل ماكرون الذي وصف الحكم بأنه “قاس” و“غير عادل”، مؤكداً أن باريس ستبحث عن “مخرج مناسب” للقضية.

وفي خضم الجدل، خرج رئيس حزب الجمهوريين برونو روتايو المعروف بمواقفه العدائية اتجاه الجزائر بتصريحات أثارت الكثير من التعليقات. ففي حديثه لقناة فرنسية، اعتبر وزير الداخلية السابق أن قضية غليز “تكشف اختلالاً عميقاً” في العلاقات الثنائية.

ورأى أن هذا الملف يعيد طرح تساؤلات حول العلاقة غير المتوازنة، لأنها -حسب قوله- علاقة “تنتظر فيها الجزائر الكثير، بينما لا تنتظر باريس شيئاً تقريباً”. ولم يتردد روتايو في استحضار ما قاله شقيق غليز، معتبراً أن العائلة “وقعت في الفخ” وأن صمتها الطويل لم يحقق أي نتيجة، ما يعني حسبه أن نهجه القائم على التشدد واستعمال “القبضة الحديدية” مع الجزائر هو الأجدى، على الرغم من أنه لم ينجح في الإفراج عن الكاتب الآخر بوعلام صنصال.

غير أن الموقف الفرنسي الرسمي بدا أكثر اتزاناً، إذ أكد وزير الداخلية لوران نونييز أنه ما يزال متمسكاً بزيارة الجزائر تلبية لدعوة رسمية، رغم إدانة غليز. وأوضح أن تحديد موعد الزيارة ما يزال في طور النقاش التقني، وأن التعاون الأمني بين البلدين “ضروري” ولا يمكن التراجع عنه. كما شدد على أن قضية غليز ستكون “عنصراً رئيسياً” في المحادثات مع نظيره الجزائري. وترافق ذلك مع دعوة من الإليزيه إلى العمل من أجل “إيجاد حل سريع” يمكّن الصحافي من العودة إلى فرنسا.

وفي مواجهة هذا السيل من الانتقادات الفرنسية، ظهرت ردود فعل قوية في الصحافة الجزائرية، نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية، ركزت على ما وصفته بأنه “حملة سياسية وإعلامية” تستهدف الجزائر أكثر مما تهتم بالصحافي نفسه.

صحيفة “لوسوار دالجيري” كتبت في مقال بعنوان “حين تغرق باريس في نفاقها!” أن فرنسا “تقدم الدروس” بينما تغضّ الطرف عن ممارساتها القضائية، واستحضرت حادثة توقيف موظف قنصلي جزائري في باريس على أساس إشارة هاتفية، معتبرة أن القضاء الفرنسي “أداة سياسية ووسيلة قمع”. كما ذكّرت بقضية اللاعب يوسف عطال الذي أدين بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ بسبب منشور تضامني مع غزة، واعتبرت أن فرنسا “تستعمل العدالة كغطاء أخلاقي لطبقة ما تزال تعتقد أنها تتحكم في العالم”.

أما صحيفة “الخبر”، فقد ركزت على ما وصفته بـ“الدعم الفرنسي الواضح لحركة الماك الإرهابية”، معتبرة أن غليز لم يكن يؤدي عملاً صحافياً بالمفهوم المهني، بل دخل الجزائر “متنكراً” بهدف تمرير “رواية انفصالية” لصالح الحركة، وأن ما جرى يندرج ضمن “مهمة محددة” مرتبطة بقنوات دعم فرنسية خفية. وأكدت الصحيفة أن رد الفعل الفرنسي يعكس “سلوكاً استعمارياً قديماً” يقوم على التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر تحت غطاء الدفاع عن الحريات.

وبنبرة حادة، ختمت بعض الصحف الجزائرية بالقول إن “الجزائر لا تتلقى الدروس من أحد”، وإن باريس “تغضب لأن الجزائر لم تعد تنحني”، معتبرة أن الأزمة الحالية تعكس تحوّلاً استراتيجياً في ميزان القوة، وأن “الشعب الجزائري قرر النظر إلى الأمام دون وصاية”. ومقابل الخطاب الفرنسي الذي يرى في الحكم مبالغة، ترى هذه الصحف أن القضية “واضحة” وأن القضاء الجزائري مارس صلاحياته كاملة.

وفي خضم ذلك، نقل المحامي الجزائري باكوري عميروش تفاصيل عن لقائه بكريستوف غليز بعد إدانته الجديدة. ففي تدوينة له، قال عميروش إنه زار موكله في سجن تيزي وزو وكان يخشى أن يجده منهاراً بعد الحكم، لكنه فوجئ “برجل قوي” يمتلك “طاقة نادرة” وصفها بأنها استثنائية في مسيرته المهنية.

وأوضح أنه قضى معه نحو ساعة ونصف وجد خلالها “إنساناً صادقاً، طيباً، ومؤمناً ببراءته”، مضيفاً أنه تأثر بشدة بالدعم الكبير الذي يتلقاه، وأن هذا الدعم يمنحه “شجاعة وتصميماً” على تجاوز محنته لأنه “لم يشعر يوماً بأنه وحيد”. ولم يشر المحامي إن كان غليز سيطعن في الحكم، لأنه في هذه الحالة قد لا يستفيد من العفو الرئاسي الذي تسعى السلطات الفرنسية للحصول عليه، كون القانون الجزائري يخول للرئيس إصدار العفو فقط في الأحكام النهائية.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات