أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عفوا رئاسيا عن الباحث في التاريخ محمد الأمين بلغيث، والذي كان قد سجن على خلفية تصريحاته الطاعنة في الأمازيغية على قناة “سكاي نيوز عربية” ربيع هذا العام، في قضية أثارت جدلا واسعا في الجزائر.
وأورد بيان للرئاسة الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون، بناءً على الدستور لاسيّما المادتان 91 (7و8) و 182 منه، وبناءً على الرأي الاستشاري الذي أبداه المجلس الأعلى للقضاء، طبقا لأحكام المادة 182 من الدستور، أمضى مرسوما رئاسياً، “أصدر بموجبه عفوا كليا لباقي العقوبة، عن المحبوس المحكوم عليه نهائياً، المدعو محمد الأمين بلغيث”.
ويأتي هذا القرار بعد أن أصبح الحكم نهائيا في قضية محمد الأمين بلغيث بعد أن رفضت المحكمة العليا الطعن بالنقض الذي تقدّم به دفاعه، ليصبح القرار باتًّا ويُسدل بذلك الستار على آخر مراحل التقاضي.
وإثر ذلك، برزت مناشدات للرئيس الجزائري من أجل تفعيل صلاحياته في العفو عن الباحث. وذكر محاميه توفيق هيشور، أنّ السياق الوطني الذي تعيشه البلاد، والمتزامن مع ذكرى 11 ديسمبر، يتيح فرصة لخطوة إنسانية وسياسية قد تحمل إنصافًا لهذا المثقف الذي عرفته الجامعة الجزائرية محاضرًا وباحثًا ومؤلفًا في التاريخ الوطني. داعيا الرئيس إلى استعمال صلاحياته الدستورية لمنح موكله عفوًا يعيد إليه حريته ويُنهي حالة الجدل المرافقة للقضية منذ بدايتها.
وكانت قبل ذلك عدة دعوات قد وجهت للرئيس عبد المجيد تبون خاصة عقب العفو الرئاسي عن الكاتب بوعلام صنصال، حيث تحركت شخصيات حزبية في الموالاة تدعو إلى توسيع إجراءات الانفراج لتشمل أسماء من داخل السجون الجزائرية، وفي مقدمتهم المؤرخ محمد الأمين بلغيث والصحفي عبد الوكيل بلام.
ويُعد الرجل من الشخصيات الأكاديمية المثيرة للجدل في مجال التاريخ، وقد أثارت تصريحاته حول الأمازيغية خلال مقابلة تلفزيونية على قناة “سكاي نيوز عربية” الحول “الأمازيغية” عاصفة من الجدل، ودفعت النيابة العامة إلى تحريك الدعوى.
وخلال تلك المقابلة التي بثت مطلع شهر آذار/مارس الماضي، قال بلغيث في المقابلة إن “الأمازيغية مشروع أيديولوجي فرنسي-صهيوني”، مضيفًا أن “البربر في أصلهم عرب فينيقيون”، ما أثار غضبًا واسعًا في الأوساط السياسية والثقافية. واعتبر منتقدوه أن كلامه يمثل “طعنا في أحد مقومات الهوية الوطنية الثلاثة” كما نص عليها الدستور: الإسلام، والعروبة، والأمازيغية.
وفي ثنايا الحوار، طُلب من بلغيث توضيح موقفه من الهوية الأمازيغية، فأجاب قائلاً: “ليست هناك ثقافة، هذا مشروع أيديولوجي صهيوني فرنسي بامتياز. لا وجود لشيء اسمه أمازيغية، هناك بربر، وهم عرب قدماء وفق ما يدين به كبار المؤرخين في الشرق والغرب.” وأضاف أن “قضية الأمازيغية تُعد، بإجماع عقلاء ليبيا والجزائر والمغرب، مشروعًا سياسيا هدفه تقويض وحدة المغرب العربي خدمةً لمشروع فرنسي يسعى إلى فرض مغرب فرنكوفوني”، مختتمًا حديثه بالقول: “نحن نعود في أصولنا إلى الفينيقيين الكنعانيين، وهذا هو السر بيننا وبين خصومنا في الداخل والخارج.”
وقد أدت هذه التصريحات إلى عاصفة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي ومن مثقفين وصحافيين رأوا فيها “تحريضا عرقيا” و”محاولة لتقويض الوحدة الوطنية”. كما أخذت القضية أبعادًا دبلوماسية وإعلامية بعدما هاجم التلفزيون الجزائري الرسمي قناة “سكاي نيوز عربية” بشدة، متهماً إياها بـ “الاعتداء على ثوابت الشعب الجزائري العريقة” و”محاولة التشكيك في جذور الأمة وتاريخها العميق”، فيما اعتبر توترا جديدا بين الجزائر والإمارات.
وفي 3 تموز/يوليو الماضي، أصدرت محكمة الدار البيضاء الابتدائية بالجزائر العاصمة، حكمًا يقضي بإدانة المؤرخ محمد الأمين بلغيث بالسجن النافذ لمدة خمس سنوات، بعد أن التمست نيابة الجمهورية تسليط عقوبة سبع سنوات حبسا نافذا في حقه، عن تهم تتعلق بـ “نشر خطاب الكراهية والتمييز عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال”، و”الترويج عمدًا لأخبار مغرضة من شأنها المساس بالنظام العام”، و”المساس بسلامة وحدة الوطن”، هو الحكم الذي جرى تأييده خلال الاستئناف.
وكان القضاء الجزائري قد أسقط لاحقًا التهم ذات الطابع الجنائي، واكتفى بإحالة القضية على أساس جنح، في خطوة فُسرت بأنها محاولة لتخفيف حدة الجدل الذي رافق القضية. كما شهد البرلمان مداخلات لعدد من النواب الذين طالبوا بالإفراج عن بلغيث، معتبرين أنه “ابن شهيد” و”باحث مؤلف في التاريخ الوطني”، وهي صفات رأوا فيها ما يشفع له من أجل تجنيبه عقوبة السجن.
من جهته، دافع بلغيث خلال التحقيقات عن نفسه بالقول إنه وقع ضحية لتلاعب في المونتاج من طرف قناة “سكاي نيوز عربية”، موضحًا أنه لا يملك دليلاً مادياً يثبت حذف أو تحريف أقواله، لكنه أصرّ على أن الحوار تم اجتزاؤه بطريقة تُخرج كلامه عن سياقه.
ونقلت صحيفة “النهار” المحلية عن بلغيث قوله إن القناة “حذفت عدة عبارات من حديثه حول الأمازيغية لغرض ما”، مضيفًا أن الصحفية التي حاورته “طرحت سؤالًا مفخخًا”، فأجابها “استنادًا إلى دراسات تاريخية قديمة”. وفي ما يتعلق بالجزء الذي وُصف فيه بعض الجزائريين المقيمين بفرنسا بـ “الحركى” (المتعاونون مع فرنسا)، أوضح بلغيث أنه “لم يكن يقصد جميع المهاجرين، بل فئة محددة كانت ضد مصلحة الوطن في فترة معينة ثم ادّعت الوطنية لاحقًا”.

تعليقات الزوار
لا تعليقات