تُعقد اللجنة العليا المشتركة الجزائرية-التونسية في دورتها الثالثة والعشرين خلال الأسبوع المقبل في العاصمة التونسية، في محطة جديدة لتعزيز مسار التعاون الثنائي بين البلدين وبحث سبل الارتقاء به إلى مستوى العلاقات السياسية المتينة التي تربط الجارتين.
وسيشرف رئيس الحكومة الجزائرية سيفي غريب، إلى جانب رئيسة الحكومة التونسية سارة الزعفراني، على جلسات اللجنة التي يشارك فيها عدد من الوزراء من الطرفين، بينهم وزراء الخارجية والداخلية والنقل والفلاحة والصناعة والطاقة والتجارة والرياضة، في مؤشر على اتساع الملفات المطروحة وحساسية القضايا التي يتطلع الجانبان إلى معالجتها.
ويهدف الاجتماع إلى دراسة آليات رفع مستوى التبادل التجاري الذي لا يزال، بحسب تقديرات متقاطعة، دون حجم العلاقات السياسية التي تجمع البلدين منذ عقود. كما ستناقش اللجنة سبل تنمية المناطق الحدودية المشتركة وتفعيل مشاريع التبادل الحر، إضافة إلى تعزيز التعاون في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة، بما يعكس إرادة مشتركة لبلورة مقاربة اقتصادية أكثر ديناميكية واندماجاً بين البلدين. ويحظى ملف الطاقة بأهمية خاصة بالنظر إلى تموّن تونس بالغاز الجزائري، في وقت تواصل فيه الدولتان، بمعية ليبيا، العمل على مشروع الربط الكهربائي المشترك الذي انطلقت دراساته الأولية في مارس الماضي، وهو مشروع يُتوقع أن يفتح آفاقاً واسعة لتكامل الطاقة والأمن الطاقوي في المنطقة المغاربية.
وفي السياق ذاته، تستضيف تونس الأربعاء المقبل منتدى رجال الأعمال الجزائري-التونسي، الذي سيجمع نخبة من الفاعلين الاقتصاديين من البلدين لاستعراض فرص الاستثمار، وتطوير الشراكات، ومناقشة العراقيل التي تواجه المبادلات التجارية. وسيتم خلال المنتدى تسليط الضوء على تجارب تونسية ناجحة في السوق الجزائرية بفضل التسهيلات التي تقدمها الجزائر لتعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في خطوة يُنظر إليها على أنها مؤشر على رغبة مشتركة في تحويل العلاقات السياسية القوية إلى قاعدة اقتصادية صلبة تسهم في توسيع قاعدة التكامل الثنائي.
ويمثل هذا الحراك الاقتصادي والدبلوماسي امتداداً طبيعياً لمسار طويل من العلاقات التاريخية بين تونس والجزائر، اتسم بالتضامن والتنسيق الوثيق منذ استقلال البلدين. فقد لعبت تونس دوراً مهماً في دعم الثورة الجزائرية، فيما ظلت الجزائر على مرّ العقود سنداً سياسياً واقتصادياً لتونس، خصوصاً في محطات الأزمات الإقليمية والدولية.
وعلى امتداد السنوات الماضية، حافظ البلدان على مستوى عالٍ من التنسيق في الملفات الإقليمية، سواء في ما يتعلق بالأمن الحدودي، أو الأزمة الليبية، أو مكافحة الإرهاب، أو قضايا المغرب العربي. وقد اتسمت مواقف الدولتين في المحافل الدولية بتقارب واضح، عكس قناعة مشتركة بضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة، وتجنب التدخلات الخارجية، وتعزيز الحلول السياسية.
وتأتي الدورة الحالية للجنة العليا المشتركة لتؤكد هذا النهج، إذ يسعى الجانبان إلى تطوير مقاربة جديدة تقوم على تعميق التكامل الاقتصادي، وتسهيل تنقل السلع والاستثمارات، والعمل على بعث مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة.
كما يبرز المنتدى الاقتصادي كآلية موازية لدعم هذا التوجه، من خلال تمكين رجال الأعمال من تفعيل شراكات عملية قادرة على خلق قيمة مضافة حقيقية وتوليد فرص عمل في الجانبين.
وتشير التحركات الثنائية المتصاعدة إلى رغبة واضحة في الانتقال بالعلاقة من مستوى التنسيق السياسي التقليدي إلى مستوى شراكة اقتصادية استراتيجية، تستفيد من القرب الجغرافي والانسجام السياسي والتاريخ المشترك. وفي الوقت الذي تواجه فيه المنطقة تحديات اقتصادية وأمنية متجددة، تبدو الجزائر وتونس أكثر اقتناعاً بأن تعميق التعاون الثنائي لم يعد خياراً ظرفياً، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز الاستقرار والتنمية في البلدين والمنطقة ككل.

تعليقات الزوار
لا تعليقات