أخبار عاجلة

"تجريم الاستعمار" قانونيا يفتح الباب لاحتكاك جديد بين الجزائر وفرنسا

يستعد المجلس الشعبي الوطني الجزائري (البرلمان) لمناقشة مقترح قانون يقضي بتجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر خلال الفترة الممتدة بين 1830 و1962، في جلسة عامة مقررة يوم 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وفق بيان رسمي صادر عن المجلس. وسيتم خلال الجلسة عرض المقترح والتقرير التمهيدي، إلى جانب تدخلات رؤساء المجموعات البرلمانية، قبل عرض القانون للتصويت المقرر في 24 من الشهر ذاته

ويدخل مقترح القانون على الأرجح في إطار حالة الشد والجذب المستمرة بين الجزائر وفرنسا، رغم مؤشرات سابقة على وجود توجه نحو تهدئة التوترات بين البلدين. كما يؤشر المشروع إلى احتمال احتكاك جديد في توقيت حساس بالنسبة للعلاقات الثنائية، إذ يأتي في وقت تتزامن فيه ملفات الذاكرة التاريخية مع قضايا إقليمية ودبلوماسية حساسة، مما يزيد من تعقيد ديناميات الحوار بين العاصمتين..

وتم إعداد المقترح من قبل لجنة برلمانية مكونة من سبعة نواب يمثلون مختلف الكتل داخل المجلس، إلى جانب نائب مستقل، تحت إشراف رئيس المجلس إبراهيم بوغالي، الذي اعتبر هذه الخطوة "تجسيدًا لإجماع كل التيارات السياسية وتكريمًا لذاكرة أسلافنا الميامين من جيل المقاومة إلى جيل ثورة التحرير المجيدة". وقد أُتيحت للجنة كافة الموارد اللازمة لإنجاز مهمتها، بما في ذلك الاستعانة بالخبراء والحقوقيين والمهتمين بتاريخ الاستعمار وجرائمه.

ويعكس هذا المقترح بعدًا داخليًا ورمزيًا مهمًا للجزائر، إذ يسعى البرلمان إلى تأكيد الاعتراف الرسمي بالآثار المدمرة للاحتلال الفرنسي على مستوى القانون الوطني وتثبيت ذاكرة المقاومة التاريخية في إطار تشريعي. كما يمثل المشروع إشارة قوية للالتزام الوطني بالعدالة التاريخية وتأكيد الهوية الوطنية في سياق رسمي، وهو ما يلقى تأييدًا واسعًا داخل البرلمان ومختلف القوى السياسية.

وعلى الصعيد الخارجي، يطرح مقترح القانون تحديات دبلوماسية محتملة في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، فالعلاقات بين البلدين شهدت توترات متكررة خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد اعتراف فرنسا بمقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء، الذي تعارضه الجزائر، إضافة إلى استمرار الخلافات بشأن معالجة آثار الاستعمار الفرنسي وملفات الذاكرة التاريخية.

ومن شأن إقرار القانون أن يضيف بعدًا رمزيًا وسياسيًا جديدًا لهذه التوترات، ما قد يستدعي من باريس تبني موقفا رسميا، قد يتراوح بين الرفض أو الدعوة للحوار التاريخي المشترك حول الماضي الاستعماري.

مع ذلك، يشير المحللون إلى أن الخطوة البرلمانية لا تستهدف مواجهة فرنسا مباشرة، بل تأتي في إطار إرساء العدالة الرمزية داخليًا، وتحديد المسؤوليات التاريخية في سياق وطني. ويمكن أن يُنظر إليها كدعوة لحوار أوسع حول ملفات الذاكرة والتاريخ، إذا ما رُفِعَت إلى مستوى السياسات الرسمية والبرلمانية بين البلدين.

وتبقى قضية الاستعمار الفرنسي للجزائر محورا حساسا يتداخل فيه البعد التاريخي مع السياسات الداخلية والدبلوماسية، خاصة في ظل المخاوف من تأثير هذا القانون على العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، فضلاً عن استعادة النقاش حول العدالة التاريخية. وفي هذا السياق، يُتوقع أن يوازن صانعو القرار الجزائريون بين البعد الرمزي للمشروع وضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من القنوات الدبلوماسية الفعالة مع باريس.

ويمثل مقترح القانون خطوة مهمة للجزائر داخليًا في مجال العدالة التاريخية وتأكيد الهوية الوطنية، لكنه في الوقت نفسه يفتح نقاشًا دبلوماسيًا حساسًا مع فرنسا. ويبدو أن التحدي يكمن في إدارة الملف بطريقة متوازنة، تحفظ الحقوق التاريخية للجزائر دون أن تُعقّد العلاقات الثنائية في سياق إقليمي ودولي متشابك.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات