أخبار عاجلة

الأمطار في قطاع غزة تحول حياة السكان إلى جحيم

علت صرخات النازح أبو محمد عواد فوق أصوات الرياح الشديدة والمطر الغزير، مستغيثًا بعدما غرقت خيمة أسرته مع بداية هطول أمطار الشتاء. وقف وحيدًا برفقة زوجته يحاول جمع ما تبقى من أغراضهم، فازعًا بها، مثل غيره من جيران النزوح، متجهًا إلى أحد مراكز الإيواء القريبة، التي امتلأت بأضعاف قدرتها الاستيعابية، عله يجد هناك مأوى مؤقتًا يمضي فيه أيام منخفض “بايرون” القطبي، الذي كشف مرة أخرى حجم المأساة التي تعيشها الأسر الغزية بسبب تبعات الحرب والتدمير الكبير.

 

 

 

غرق الخيام

أبو محمد واحد من آلاف النازحين الذين أغرقت مياه الأمطار الغزيرة خيام نزوحهم. كانت خيمته تقع في منطقة منخفضة نسبيًا داخل قطعة أرض واسعة شمال مخيم النصيرات، حيث تدفقت الأمطار عليها من كل جانب؛ من الأسفل زحفت مياه السيل، ومن الأعلى تسللت من ثقوب في الخيمة المهترئة التي لم يحصل على غيرها منذ عام ونصف. بصعوبة انتشل بعض الطعام والملابس الشتوية لأطفاله والأغطية التي وضعتها زوجته في أكياس بلاستيكية محكمة، وسار مع أسرته تحت المطر تاركًا أغلب الأمتعة وقد تبللت، متجهًا إلى مركز إيواء تابع لوكالة “الأونروا” تحت سقف أسمنتي.

يقول أبو محمد للقدس العربي إنه حاول خلال اليومين الماضيين اتخاذ بعض التدابير لتفادي الغرق خلال المنخفض، غير أن محاولاته انهارت مع أول نصف ساعة من الأمطار الغزيرة. فالقطع البلاستيكية التي وضعها أعلى سقف الخيمة لم تمنع تسرب المياه، كما انهار ساتر رملي وضعه أمام الخيمة مع تشكل السيول، مستذكرًا تجاربه السابقة. ويضيف أن كل محاولاته للحصول على خيمة جديدة باءت بالفشل، بسبب نقص الخيام نتيجة الإجراءات الإسرائيلية على المعابر.

في مركز الإيواء، جلست الكثير من الأسر التي غمرت مياه الأمطار خيامها، في انتظار الحصول على مكان ضيق للإقامة خلال هذه الأيام الباردة.

 

تسونامي إنساني

المستشار الإعلامي لوكالة “الأونروا”، عدنان أبو حسنة، أكد وجود “تسونامي إنساني” داخل مراكز الإيواء، بعد أن أجبرت الأمطار آلاف الأسر على ترك خيامهم. وأوضح أن رياح المنخفض اقتلعت الكثير من الخيام، فيما غمرت المياه أغلبها. وأضاف أن هناك 85 مركز إيواء تديرها “الأونروا”، كانت تؤوي 77 ألف فلسطيني قبل المنخفض، وأن الأعداد تزايدت مع صباح الأربعاء، واصفًا الأوضاع بـ “المأساوية والكارثية”.

ووصل المنخفض الجوي فجر الأربعاء، وسرعان ما انهمر المطر مصحوبًا بالبرق والرعد، ما أدى إلى تجمع المياه في الشوارع والأراضي التي أقيمت فيها خيام النازحين، متسببًا في حرمان الكثير من الأسر من مأواها المؤقت، فيما تسربت الأمطار إلى المنازل التي طالها الدمار، أو تحطمت نوافذها جراء الغارات السابقة.

ونشر النازحون لقطات تظهر غرق مناطق النزوح والأضرار التي لحقت بخيامهم، حيث اضطرت بعض الأسر للاختباء تحت ركام المنازل المدمرة أو في أسفل بنايات تعرضت للدمار. وشوهدت أعداد كبيرة من النازحين تمشي على الأقدام في برك المياه بحثًا عن مأوى.

نزوح داخل النزوح

وقالت بلدية غزة إن المنخفض الجوي يفاقم الأزمة الإنسانية، وسط دمار البنية التحتية وغياب الإمكانيات، مؤكدة أن طواقمها تواجه تحديات جسيمة نتيجة تدمير شبكات الصرف الصحي ومياه الأمطار. وحذرت من أن الوضع الحالي يُهدد آلاف الأسر، خاصة مع تلف عدد كبير من خيام الإيواء، ما يعرض النازحين لمخاطر التشرد مجددًا. ودعت المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية إلى التدخل العاجل، وتوفير المعدات والآليات اللازمة، وتأهيل شبكات الصرف الصحي، وتوفير مساكن مؤقتة بشكل فوري.

في مدينة خان يونس، غمرت الأمطار تجمعات كبيرة من الخيام لسكان المناطق الشرقية والذين دمرت منازلهم سابقًا. وقال النازح إبراهيم أبو صلاح إنه اضطر لتثبيت أوتاد خيمته من جديد بعد أن اقتلعتها الرياح الشديدة، فيما غرقت معظم خيام الجيران.

من جانبها، أكدت وفاء أبو دقة، نازحة منذ مارس الماضي، أن حياتهم تتحول إلى “جحيم” مع كل هطول مطر، مضيفة: “الخيمة وقعت والمياه غرقت كل شيء، وكل مرة نقدم مناشدات، لكن لا أحد يستجيب”.

الأعنف قوة

يعد منخفض “بايرون” أعنف منخفض جوي يضرب غزة منذ بداية الموسم الحالي، مصحوبًا بكتلة هوائية باردة، وأمطار غزيرة مع عواصف رعدية وزخات برد وهبات قوية تصل إلى 50 كم/ساعة، ومتوقع استمرار تأثيره حتى الجمعة.

 

وقال محمود بصل، الناطق باسم الدفاع المدني، إن القطاع يعاني بشكل كارثي، مطالبًا المنظمات الدولية بالتدخل لتخفيف الأزمة الإنسانية. وحذر من انهيار المباني الآيلة للسقوط، وأكد أن مخيمات الإيواء في المناطق المنخفضة ستغرق بالكامل.

تستمر مأساة النازحين في كل منخفض، لإقامتهم في خيام مهترئة ومناطق ضيقة، مع استمرار إسرائيل في منع إدخال 300 ألف خيمة إيواء، ورفضها إدخال الغرف المؤقتة للنازحين الذين دمرت الحرب مساكنهم، ويقدر عددهم بأكثر من مليون مواطن يقيمون في مناطق ضيقة تحت سيطرة إسرائيل على أكثر من نصف مساحة القطاع.

وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” أن الظروف الإنسانية في غزة لا تزال مزرية، وأن الاحتياجات تفوق قدرة المجتمع الإنساني على الاستجابة، مشيرًا إلى أن الطقس البارد يفاقم الاحتياجات الهائلة للمأوى ومستلزمات الشتاء.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات