منعت السلطات الفرنسية تنظيم تجمع كانت الحركة الانفصالية المعروفة باسم «الماك» تستعد من خلاله لإعلان ما تسميه «استقلال منطقة القبائل» عن الجزائر، بعد إصدار محافظ مقاطعة ليزفلين أمراً يقضي بحظر المراسم التي كانت مقررة أمس الأحد في قصر المؤتمرات في فرساي لدواع أمنية، مما اضطر الحركة لتنظيمه في مكان آخر أصغر حجما.
في الوقت الذي كانت فيه المنظمة المذكورة تتحرّك منذ أسابيع للتحضير لإعلان «الاستقلال» المفترض عبر الترويج الإعلامي له، ودعوة شخصيات أجنبية وناشطين من الخارج، كان إعلاميون وأكاديميون وباحثون وناشطون يصدرون من الجزائر بياناً يشدد على تمسكهم بوحدة البلاد، مستحضرين في ذلك الذاكرة النضالية المشتركة، ومشددين على أن حراك الحركة الثقافية الأمازيغية في الجزائر هو نضال وطني ثقافي وديمقراطي وليس عملاً سياسياً انفصاليا.
لا يمكن قراءة هذا التوجّه السياسي الانفصالي من دون فهم تاريخ الصراع مع الاحتلال الاستيطاني الفرنسيّ، الذي حاول توظيفها في شق النضال السياسي والعسكريّ الجزائري ضده وذلك بعد تاريخ طويل من التعايش والتفاعل؛ ثم مع سياسات ما بعد الاستقلال التي ساهمت في إقصاء العنصر الأمازيغي في الشخصية الوطنية الجزائرية.
انفجرت هذه القضية عام 1980 في تظاهرات في «منطقة القبائل» قُمعت بعنف، وتجددت أعمال العنف الدامية عام 2002، مما أسفر عن سقوط 126 قتيلا.
بعد وصول هذه القضية إلى درك خطير تحرّكت الدولة الجزائرية لاتخاذ سلسلة إجراءات منها الاعتراف بالأمازيغية كمكون للهوية الوطنية في الدستور (1996)، وإطلاق قناة تلفزيونية حكومية تبث بالأمازيغية (2009)، وإدراج الأمازيغية كلُغة وطنية ورسمية في الدستور (2016).
بمطالبتها بـ»حق تقرير المصير» والانفصال عن الدولة المركزية، وتأسيس حكومة مؤقتة في الخارج، وطرح القضية على الأمم المتحدة، تنفصل حركة (الماك) أيضاً عن مشروع النضال السياسيّ العام في الجزائر باتجاه تحقيق أهداف مشتركة للجزائريين، كما كان حال الاحتجاجات في العام 2019 التي ابتدأت رفضاً لترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للرئاسة، وتطوّرت إلى مطالبة النظام ككل بالرحيل.
في المقابل، فإن الإرث العسكري – الأمني لدولة ما بعد الاستقلال الجزائرية، ساهم في تأجيج الاشتباك المعقّد لقضايا الثقافة والدين واللغة والهويّة، وساهم في تحويل قضايا محقّة، ومطالب ديمقراطية، إلى مواجهات قمعية وأحداث عنف دموية، وهو ما أعطى حججاً لتيّارات التطرّف والانفصال الجذري، كما هو حال حركة (الماك).
الجزائر: من الاستقلال إلى «الانفصال»؟

تعليقات الزوار
لا تعليقات