تابع الرأي العام الموريتاني انشغاله بتطورات ملف السيناتور السابق ورئيس منظمة الشفافية الشاملة، محمد ولد غده، في ظل استمرار توقيفه على خلفية ما يُعرف بملف «مختبر الشرطة»، وذلك بالتزامن مع صدور حكم قضائي ببراءته في قضية أخرى تتعلق بشركة «بيس تيبي»، التي يملكها رئيس اتحاد أرباب العمل زين العابدين الحاج.
وقضت الغرفة الجزائية بمحكمة ولاية نواكشوط الغربية ببراءة ولد غده من التهم الموجهة إليه في الملف المعروف بملف شركة «بيس تيبي»، والتي كانت قد تقدمت نهاية آذار/مارس 2024، بشكوى ضد السيناتور بتهم الافتراء والقذف والإبلاغ الكاذب، حيث أدين ابتدائيًا وقضى أربعة أشهر في السجن، ليتم الإفراج عنه بعد ذلك ووضعه تحت المراقبة القضائية.
ومع ذلك، لا يزال ولد غده قيد الاعتقال في ملف آخر، هو ملف «مختبر الشرطة»، حيث أوقف بعد ساعات من إعلانه العزم على تقديم وثائق ومستندات للنيابة العامة تتعلق بما وصفه بملف فساد في الصفقة المذكورة، وهو ما أثار جدلًا واسعًا وتساؤلات حول توقيت وخلفيات التوقيف.
وفي بيان صادر عنها أمس الأربعاء، ثمّنت منظمة الشفافية الشاملة الحكم القضائي الصادر ببراءة رئيسها، واعتبرته «خطوة أولى في الاتجاه الصحيح»، تعكس – حسب البيان – قدرة القضاء على إنصاف الحق متى توفرت له شروط الاستقلال، وترسيخ الثقة في العدالة.
غير أن المنظمة عبّرت عن أسفها لكون رئيسها «مقيّد الحرية» في الوقت الذي صدر فيه الحكم ببراءته، معتبرة أن غيابه عن مشاركة زملائه «فرحة الحكم العادل» يضاعف الإحساس بالظلم، ويطرح تساؤلات جدية حول مشروعية استمرار تقييد حريته.
وأكدت المنظمة أن رئيسها ما يزال محرومًا من حقه في التواصل مع محاميه وأعضاء الجمعية والزوار، ومن استعمال أي وسيلة اتصال، فيما وصفته بـ»انتهاك صارخ للضمانات القانونية والدستورية»، مشيرة إلى أنه لم يُسمح له إلا بلقاء أحد أفراد أسرته يوم أمس، تحت رقابة أمنية مشددة.
كما أشارت المنظمة إلى تواصل موجة التضامن الشعبي مع ولد غده على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، حيث تتصاعد الدعوات المطالبة بالإفراج الفوري عنه، معربة عن شكرها وامتنانها لكل من عبّر عن تضامنه ووقف إلى جانب «الحق والعدالة». وأعلنت المنظمة أنها باشرت اتصالات مع هيئات ومنظمات وطنية ودولية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، من أجل كشف ما جرى ويجري، ووضع حد لما وصفته بالانتهاكات، كما ثمّنت موقف فريق المحامين الذي بدأ يتشكل للدفاع عن رئيسها، مشيدة بما اعتبرته «التزامًا مهنيًا شجاعًا بنصرة الحق وصون سيادة القانون».
وجددت منظمة الشفافية الشاملة مطالبتها بالإفراج الفوري وغير المشروط عن رئيسها، وفتح تحقيق مستقل وجاد في ملابسات توقيفه، متوجهة بنداء مباشر إلى رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني، للتدخل العاجل من أجل «تصحيح مسار هذا الملف»، عبر إطلاق سراح ولد غده، وإحالة ملف مختبر الشرطة إلى الدرك الوطني لتعميق التحقيق.
وأكد البيان أن ملف مختبر الشرطة «شابته تجاوزات قانونية ومالية خطيرة»، من بينها -حسب المنظمة- إبرام الصفقة بالتراضي دون مسوغ قانوني، وضخامة مكافآت الوسطاء التي بلغت ثلث تمويل المشروع، إضافة إلى تعطيل مسار التحقيق.
وأعربت المنظمة عن استغرابها مما وصفته بتكرار سجن رئيسها كلما كشف ملف فساد أمام النيابة العامة، بدل حمايته، معتبرة أن النيابة هي الجهة الأولى التي يُعوّل عليها في حماية المال العام.
وسياسيًا، طالب رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، حمادي ولد سيدي المختار، بالإفراج الفوري عن محمد ولد غده، منتقدًا توقيفه بعد إعلانه نيته تقديم أدلة على فساد مرتبط بصفقة مختبر الشرطة.
وقال ولد سيدي المختار الذي يتولى الرئاسة الدورية، لزعامة المعارضة خلال مهرجان جماهيري نظمه حزبه، إنه من المؤسف أن تنتهي معالجات ملفات الفساد بسجن سيناتور سابق أعلن استعداده لتقديم وثائق تثبت فسادًا حقيقيًا»، منددًا بما سماه «سجن المبلّغين عن الفساد»، محذرًا من أن استمرار الفساد وتغطية المفسدين يمثل «هدمًا للقيم الوطنية التي بناها الآباء والأجداد»، مشددًا على أن حزبه «لن يقبل باستمرار الفساد، ولن يصمت أمام أي تلاعب بالمال العام»، لما لذلك من انعكاسات خطيرة على قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الأساسية.
وتتواصل في ظل هذه التطورات المتسارعة، حالة الجدل والترقب في الأوساط السياسية والحقوقية، وسط مطالب متزايدة بتوضيح ملابسات توقيف ولد غده، وضمان احترام الضمانات القانونية، والفصل بين مسارات مكافحة الفساد وحماية المبلغين عنه.
الموريتانيون منشغلون باعتقال ولد غده في قضية «مختبر الشرطة»

تعليقات الزوار
لا تعليقات