في ليلة كروية حملت كل عناصر الدراما الرياضية، من التحولات المفاجئة إلى القرارات الحاسمة في اللحظات الأخيرة، شهد ملعب لوسيل في قطر نهائي بطولة كأس العرب 2025، حيث انتهت المواجهة بتتويج منتخب المغرب باللقب بعد فوزه على منتخب الأردن بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدفين، في مباراة تجاوزت حدود المنافسة التقليدية لتتحول إلى حدث عربي ودولي جذب أنظار المتابعين ووسائل الإعلام، بينها “القدس العربي”، لما حملته من دلالات فنية وتنظيمية وتنافسية تعكس تطور الكرة العربية على الساحة الدولية.
عكس النهائي، الذي امتد إلى الوقت الإضافي، توازن القوى بين منتخبين دخلا المواجهة بسجل متقارب من الطموح والقدرة، وسط حضور جماهيري كثيف وتنظيم يعكس مكانة قطر كمحطة مركزية للأحداث الرياضية الكبرى، في مشهد يضع البطولة في سياق أوسع يتجاوز التتويج ذاته نحو قراءة أعمق لمستقبل المنافسات العربية المشتركة.

بداية مغربية سريعة وتفوق في الإيقاع
دخل منتخب المغرب اللقاء بإيقاع مرتفع منذ الدقائق الأولى، مستفيدا من الانتشار الجيد في وسط الملعب والضغط المبكر على خطوط منتخب الأردن، وهو ما تُرجم بهدف افتتاحي مبكر في الدقيقة الرابعة عبر تسديدة بعيدة المدى من أسامة طنان، استغل فيها تقدم حارس المرمى الأردني، لتسكن الكرة الشباك وتمنح المغرب أفضلية نفسية وفنية.
فرض الهدف المبكر إيقاعا مغربيا على مجريات الشوط الأول، حيث حافظ الفريق على تماسكه الدفاعي وسيطرته النسبية على وسط الملعب، مقابل محاولات أردنية اعتمدت على التدرج في بناء الهجمات والكرات الطويلة خلف الدفاع. ورغم بعض الفرص المتبادلة، انتهى الشوط الأول بتقدم المغرب بهدف دون رد، في نتيجة عكست السيطرة العددية في وسط الملعب والانضباط التكتيكي.
منح هذا التفوق الجزئي اللقاء طابعا مفتوحا، مع بقاء كل الاحتمالات قائمة في الشوط الثاني، في ظل الفارق الضئيل وصعوبة التنبؤ بسيناريو المباراة، وهو ما منح النهائي بعدا تنافسيا تابعه جمهور “القدس العربي” وسواها من المنصات الدولية باهتمام لافت.

عودة أردنية قلبت المشهد
مع انطلاق الشوط الثاني، بدا منتخب الأردن أكثر جرأة وحيوية، فرفع من نسق الضغط ووسع رقعة اللعب على الأطراف، ما أربك التوازن المغربي وأجبره على التراجع النسبي. أثمر هذا التحول سريعا عن هدف التعادل في الدقيقة 48 عبر ضربة رأس نفذها علي علوان، أعادت المباراة إلى نقطة البداية وأشعلت أجواء ملعب لوسيل.

استمر الزخم الأردني في الدقائق التالية، حيث بدا الفريق أكثر سيطرة على الكرة وأكثر حضورا في الثلث الهجومي، إلى أن احتسب الحكم ركلة جزاء بعد لمسة يد داخل منطقة الجزاء، ترجمها علي علوان بنجاح إلى هدف ثان، ليمنح منتخب الأردن تقدما قلب الحسابات وفتح باب التتويج على مصراعيه.

في تلك اللحظات، تحولت المباراة إلى اختبار للقدرة على الصمود الذهني، مع تصاعد الإيقاع الجماهيري وتزايد الضغط على الطرفين. وبينما بدأ منتخب الأردن في إدارة النتيجة، ظهرت مؤشرات توتر دفاعي في الدقائق الأخيرة، استغلها المغرب لإعادة ترتيب صفوفه والعودة إلى الهجوم بحثا عن التعديل.
في الدقيقة 87، جاء هدف التعادل المغربي عبر عبدالرزاق حمد الله، من متابعة لكرة لم ينجح الدفاع الأردني في إبعادها بعد ركلة ركنية، ليعيد المباراة إلى التعادل بهدفين لكل فريق، ويفرض الاحتكام إلى الوقت الإضافي وسط حالة من الترقب داخل الملعب وخارجه.

الوقت الإضافي وحسم التفاصيل الدقيقة
مع بداية الوقت الإضافي، استمر نسق الإثارة، حيث شهدت الدقيقة الأولى هدفا أردنيا ألغي بداعي التسلل، في قرار تحكيمي أعاد التوتر إلى المدرجات وفتح نقاشا واسعا بين المتابعين، من بينهم محللو “القدس العربي”، حول دقة التفاصيل التي تحسم المباريات الكبرى.
بعد هذا المنعطف، بدا أن المنتخبين دخلا مرحلة إدارة المخاطر، مع محاولات حذرة لتفادي الأخطاء القاتلة. غير أن الدقيقة العاشرة من الشوط الإضافي الأول حملت التحول الأهم، حين تمكن عبدالرزاق حمد الله من تسجيل الهدف الثالث للمغرب، مستغلا غياب الرقابة داخل منطقة الجزاء، ليمنح فريقه تقدما حاسما.
في الشوط الإضافي الثاني، اتجه المنتخب المغربي إلى تأمين مناطقه الخلفية والاعتماد على التكتل الدفاعي، مقابل محاولات أردنية للعودة في النتيجة عبر الكرات العرضية والضغط المتقدم. ورغم المحاولات، حافظ المغرب على تقدمه حتى صافرة النهاية، ليعلن فوزه باللقب في مباراة حملت كل ملامح النهائي الكبير.

دلالات أوسع لنهائي عربي مفتوح
تجاوز نهائي كأس العرب 2025 حدود النتيجة النهائية، ليعكس تطورا لافتا في المستوى الفني والتنافسي للمنتخبات العربية، وقدرتها على تقديم مباريات تحظى باهتمام إقليمي ودولي. التنظيم، الحضور الجماهيري، والتحكيم، جميعها عناصر أسهمت في تقديم صورة متكاملة لبطولة باتت تشكل منصة اختبار حقيقية للكرة العربية.
من منظور دولي، يعكس هذا النهائي قدرة البطولات الإقليمية على جذب الاهتمام الإعلامي وصناعة سرديات رياضية تتقاطع مع الهوية والثقافة والتنافس، وهو ما رصدته “القدس العربي” في تغطيتها، باعتبار الحدث جزءا من مشهد رياضي أوسع يعاد تشكيله في المنطقة.
بهذا التتويج، يضيف منتخب المغرب لقبا جديدا إلى سجله، بينما يخرج منتخب الأردن بتجربة تنافسية عميقة، أكدت حضوره كطرف قادر على مقارعة الكبار. وبين هذا وذاك، يبقى نهائي لوسيل علامة فارقة في مسار كأس العرب، ونقطة مرجعية لمستقبل المنافسة العربية في سياق دولي متغير.















تعليقات الزوار
لا تعليقات