يعتزم نواب المجلس الشعبي الوطني في الجزائر(الغرفة السفلى للبرلمان) إحاطة تقديم مقترح تجريم الاستعمار بهالة تاريخية تتحد فيها كل القوى السياسية الممثلة، مع تفويض رئيس المجلس نفسه إبراهيم بوغالي، بتقديم المقترح، في سابقة برلمانية.
وذكر بيان صادر عن رؤساء المجموعات البرلمانية، عقب اجتماع لهم بمقر المجلس يوم الثلاثاء الماضي، أن هذا المقترح يأتي انطلاقًا من مسؤوليتهم الوطنية والتاريخية، ووفاءً لتضحيات الشعب الجزائري في مواجهة الاستعمار، وحرصًا على توحيد الموقف البرلماني حول القضايا السيادية.
وأكد المجتمعون اتفاقهم بالإجماع على تفويض إبراهيم بوغالي، رئيس المجلس الشعبي الوطني، لعرض مشروع قانون تجريم الاستعمار باسم جميع الكتل السياسية الممثلة في المجلس، باعتباره مطلبًا وطنيًا جامعًا يسمو فوق كل الاعتبارات السياسية والحزبية، ويجسد وحدة الصف البرلماني حول الثوابت الوطنية.
وأشار البيان إلى أن هذا المشروع يعكس الإرادة الصادقة للنواب، ويجسد التزام العهدة التشريعية التاسعة بحفظ الذاكرة الوطنية والدفاع عن تاريخ الجزائر ونضالها التحرري بكل حزم ووضوح.
واعتبر رؤساء المجموعات البرلمانية أن تقديم هذا المشروع يشكل محطة تاريخية مفصلية وعملًا برلمانيًا مشهودًا، وعربون عرفان وتقدير للشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل استقلال الجزائر، مؤكدين أن التاريخ سيشهد بأن نواب العهدة التاسعة كانوا في مستوى هذه اللحظة الوطنية.
كما دعا البيان جميع السيدات والسادة النواب إلى الانخراط الفعال والمسؤول في مناقشة هذا المشروع، بما يليق برمزيته وأبعاده الوطنية والتاريخية، خدمةً للمصلحة الوطنية وحفظًا لكرامة الشعب الجزائري وذاكرته التاريخية.
يذكر أن مقترح القانون الذي سيتم عرضه يوم الأحد، يتضمن خمسة فصول تضم سبعًا وعشرين مادة، تتمحور حول تحديد أهداف النص التشريعي، وحصر جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وضبط الأحكام القانونية المتعلقة بمسؤولية الدولة الفرنسية عن ماضيها الاستعماري، إلى جانب آليات المطالبة بالاعتراف والاعتذار الرسميين، وإقرار أحكام جزائية تُجرّم تمجيد الاستعمار أو الترويج له بأي شكل من الأشكال.
وفي مضمون النص، تؤسس المادة 1 للإطار المبدئي للقانون، من خلال التأكيد على أن الجزائر، استنادا إلى تضحيات شعبها وتمسكه بوحدته الوطنية وهويته الثقافية، تناهض الاستعمار بكل أشكاله وتدين ممارساته، وتلتزم بدعم الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى تصفيته.
أما المادة 3 فتمنح توصيفا قانونيا صريحا للاستعمار الفرنسي باعتباره “جريمة دولة”، وهو توصيف يحمل أبعادا قانونية وسياسية، لأنه يربط الانتهاكات بمسؤولية كيان سيادي، لا بأفعال معزولة. وتنسجم هذه المادة مع المادة 4 التي تلزم الدولة الجزائرية بالعمل على كشف الحقائق التاريخية المرتبطة بالاستعمار ونشرها، في تأكيد على مركزية الذاكرة والتوثيق في مقاربة هذا الملف.
ويُعد الفصل الخاص بجرائم الاستعمار، من أكثر فصول المشروع تفصيلا، حيث تسرد المادة 5 قائمة واسعة من الأفعال التي تُصنّف كجرائم، بدءا من القتل العمد والهجمات العسكرية ضد المدنيين، وصولا إلى الاستخدام المفرط للقوة والأسلحة المحرمة دوليا، بما فيها زرع الألغام والتجارب النووية. ويبرز في هذا السياق إدراج التفجيرات النووية ضمن الجرائم، مع ما تحمله من أبعاد إنسانية وبيئية طويلة الأمد، وهو ما ينسجم مع الإشارة لاحقا إلى ضرورة تنظيف المواقع الملوثة وتعويض الضحايا.
ولا تقتصر المادة نفسها على الجرائم العسكرية، بل تمتد إلى الجرائم الاقتصادية والاجتماعية، مثل السطو على خزينة الدولة، والنهب الممنهج للثروات، ومصادرة الممتلكات، وفرض القوانين الاستثنائية على الجزائريين دون غيرهم. كما تسجل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من تعذيب جسدي ونفسي، وتمييز عنصري، وحرمان متعمد من الحقوق الأساسية، والنفي والترحيل القسري، والاختطاف والإخفاء القسري، والاحتجاز خارج الأطر القانونية.
وتولي المادة 5 اهتماما خاصا بالانتهاكات الثقافية والدينية، من خلال تجريم تدنيس دور العبادة، والتنصير القسري، ومحاولات طمس الهوية الوطنية، إضافة إلى الاعتداء على حرمة الموتى والتنكيل برفاتهم، وهو ما يعكس شمولية المقاربة التي لا تحصر الجريمة في بعدها المادي فقط. وتُضاف إلى ذلك ممارسات مثل التجنيد الإجباري، وإنشاء محاكم خاصة دون ضمانات، واستخدام المدنيين كدروع بشرية.
وتأتي المادة 6 لتؤكد مبدأ عدم التقادم، حيث تنص صراحة على أن جرائم الاستعمار لا تسقط بالتقادم، بغض النظر عن صفة مرتكبيها أو أدوارهم، سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء أو محرضين أو منفذين لأوامر صادرة عن سلطات استعمارية. ويمنح هذا النص للقانون بعدا ردعيا وتاريخيا، باعتبار أن مرور الزمن لا يلغي المسؤولية. وتكمل المادة 7 هذا التوجه بتجريم كل صور التعاون مع السلطات الاستعمارية، واعتبارها خيانة عظمى، في سياق يربط بين الذاكرة الوطنية والمساءلة القانونية.
وعلى الضفة الأخرى، بدأت جهات إعلامية فرنسية تراقب ما يجري في الجزائر بخصوص هذا المقترح الذي يأتي في سياق شديد التأزم بين البلدين. وفي هذا السياق، قالت جريدة “لو جورنال دو ديمانش” الفرنسية، ذات التوجه اليميني، إن الجزائر تتجه إلى إعادة إشعال ما وصفته بـ“حرب الذاكرة”، من خلال مقترح قانون يهدف إلى تجريم الاستعمار الفرنسي، من المرتقب عرضه قريبا على البرلمان الجزائري.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير لها، أن النص الذي يقف وراءه عدد من النواب الجزائريين سيُعرض على المجلس الشعبي الوطني، ويتضمن تحميل الدولة الفرنسية كامل المسؤولية القانونية عن الجرائم المرتكبة خلال 132 سنة من الاستعمار، الممتدة من عام 1830 إلى 1962. وأضافت أن المقترح يصنف هذه الأفعال كـ“جرائم دولة غير قابلة للتقادم”، ويطالب باعتراف رسمي واعتذار من فرنسا، إضافة إلى تعويضات.
وبحسب الجريدة، يرى معدّو المشروع أن الاستعمار الفرنسي ارتكب في الجزائر “جرائم ضد الإنسانية”، مشيرين إلى نحو ثلاثين فعلا من بينها الإعدامات وعمليات التهجير القسري. كما يؤكد النص، وفق الصحيفة، أن آثار هذه الجرائم وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة لا تزال قائمة إلى اليوم. وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن هذا المقترح يأتي في سياق دبلوماسي متوتر بين باريس والجزائر، حيث عادت العلاقات إلى التشنج، حسبها، بعد فترة هدوء قصيرة، في ظل استمرار الخلافات السياسية والقضائية بين البلدين.

تعليقات الزوار
لا تعليقات