أخبار عاجلة

مصر تشن حرب على صنّاع المحتوى في «تيك توك»

ما زال صناع المحتوى على منصة «تيك توك» هدفا للسلطات المصرية، التي تبرر حملتها ضدهم بنشرهم مضامين تتضمن «ألفاظا وعبارات خادشة للحياء تمثل اعتداء على قيم ومبادئ المجتمع»، وهي اتهامات تعتبرها منظمة حقوقية «فضفاضة»، وتحذر من تشكل «اتجاه خطير لفرض مزيد من القيود على حرية الرأي والتعبير».

ذكر وليس أنثى

وفضلا عن التهم تلك ضد صناع المحتوى على «تيك توك» تضمنت تحقيقات النيابة تهما أخرى مثل «غسيل الأموال».
ويتخطى عدد من تم توقيفهم من صناع المحتوى خلال الأسابيع الماضية الـ10 أشخاص، كان آخرهم صاحبة الحساب الشهير «ياسمين تخلي الحجر يلين»، بعد نشرها مقاطع فيديو تحمل «إيحاءات جنسية وألفاظا خادشة للحياء العام»، لكن المفاجأة كانت أن صاحبة الحساب ذكر تنكر في هيئة أنثى لجذب المشاهدات.
وكشفت السلطات الأمنية أن البلوغر ياسمين ليست أنثى، كما روّجت لنفسها عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل ذكر يبلغ من العمر 18 عاما دأب على نشر مقاطع فيديو على هيئة أنثى جميلة لجذب الرجال والشباب والتربح المالي.
وبدأت الحملة لملاحقة صناع المحتوى على خلفية تقديم عدد من المحامين والمواطنين 32 بلاغا ضدهم. عقب ذلك، اعتقلت صانعة المحتوى مروة يسري المعروفة إعلاميًا بـ «بنت الرئيس مبارك»، في محافظة الإسكندرية، واتهمت «بنشر أخبار كاذبة حول تورط الفنانة وفاء عامر وصانعة المحتوى أم سجدة وآخرين في تجارة الأعضاء البشرية».
وخلال التحقيق قالت إن المعلومات التي تنشرها في مقاطع الفيديو تحصل عليها من شخص يُدعى «ألكسندر»، ويُعرف بـ «الصندوق الأسود»، ويقيم في الإسكندرية.
كما تمسكت المتهمة بادعائها بأنها ثمرة زواج الرئيس الأسبق مبارك من إحدى الفنانات، مؤكدة أنها لم تكن تعلم بذلك إلا مؤخرًا، وأنها تربّت لدى أسرة في منطقة إمبابة في محافظة الجيزة ظلت تؤكد لها أنها ليست ابنتهم.
وبينت أنها انتقلت للعيش في الإسكندرية بسبب سوء المعاملة التي تلقتها من تلك الأسرة، وطلبت من النيابة العامة إجراء تحليل البصمة الوراثية «دي أن أي» مع أسرة الرئيس مبارك لإثبات صحة أقوالها.
بعد ذلك أحالت النيابة المتهمة إلى المحكمة الاقتصادية. ووفق قرار الإحالة فإن المتهمة قامت في شهر يوليو/ تموز الماضي بقذف المجني عليها الفنانة وفاء عامر، من خلال حسابها على منصة «تيك توك»، حيث أسندت إليها علنًا وقائع لو صحت لأوجبت عقابها قانونًا. ولفت القرار إلى أن المتهمة نشرت صورًا للشاكية واتهمتها بتزوير مستندات مالية، والتسبب في وفاة أحد الأشخاص نتيجة تورطها في تجارة الأعضاء البشرية.
كما تضمن أن المتهمة انتهكت حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها، بنشر صور شخصية وأخبار عنها دون رضاها، ما ألحق بها أذى معنويًا.
وحسب نص الإحالة، تعمدت المتهمة إزعاج المجني عليها عبر إساءة استخدام وسائل الاتصال، كما أنشأت وأدارت حسابًا إلكترونيًا على «تيك توك» بهدف الى تسهيل ارتكاب جرائم السب والقذف وانتهاك الخصوصية.
وأجّلت محكمة جنح الإسكندرية الاقتصادية، الإثنين الماضي، نظر محاكمة «ابنة مبارك»، إلى جلسة 30 أغسطس/ آب الجاري لعدم حضور المتهمة من محبسها.

وقبل أيام، أعلنت النيابة العامة منع 10 متهمين من صناع المحتوى من التصرف في أموالهم، كما قررت حبس 8 منهم احتياطيا على ذمة التحقيقات، وإخلاء سبيل متهمَين اثنين بضمان مالي، وأمرت بإدراج المتهمين على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، وإرسال الأجهزة المضبوطة منهم للفحص الفني، وطلب تحريات الإدارة العامة لمكافحة جرائم غسل الأموال.
وحسب بيان النيابة، عُثر بحوزة بعض صناع المحتوى على كمية من المواد المخدرة وسلاح ناري غير مرخص، فضلاعن ضبط الأجهزة الإلكترونية التي تبين من مطالعتها استخدامها في إنشاء وإدارة حسابات خاصة على تطبيق تيك توك وغيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي، يتابعها آلاف من فئة الشباب، وبث محتويات تتضمن ألفاظا وعبارات خادشة للحياء، وتمثل اعتداء على قيم ومبادئ المجتمع المصري، وذلك بغرض جذب أكبر عدد من المشاهدات وتحقيق أرباح ومكاسب مادية غير مشروعة، وقد تم ضبط جانب منها.
وأكدت النيابة أنها لن تتوانى عن اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة حيال نشر أي محتوى من شأنه خدش الحياء العام أو المساس بالآداب العامة أو الإضرار بالقيم الراسخة في وجدان المجتمع المصري.
هذه الإجراءات دفعت «المفوضية المصرية للحقوق والحريات» إلى وصف التهم التي تستهدف صناع المحتوى وتتعلق بـ«نشر الفسق» و«خدش الحياء» و«الإضرار بالقيم الأسرية» بأنها «فضفاضة».
وحذرت من أن هذه الاتهامات «تشكل اتجاها خطيرا لفرض مزيد من القيود على حرية الرأي والتعبير بخلاف تلك المفروضة على حرية توجيه الانتقادات للسلطات المصرية بشأن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب ما تتضمنه الحملة الأمنية من تمييز على أساس الانتماء الاجتماعي لاستهدافها فئات بعينها من صناع المحتوى من طبقات اجتماعية محدودة».
وحسب المنظمة، فإن أبرز من جرى القبض عليهم ملاك الحسابات التي تحمل أسماء «سوزي الأردنية» و«علياء قمرون» و«أم سجدة» و«أم مكة» و«عبد العاطي» و«شاكر محظور»، فيما كشفت بيانات لوزارة الداخلية عن التحقيق معهم على خلفية اتهامات بنشر الفسق والفجور وخدش الحياء العام والإضرار بقيم الأسرة المصرية.
وأدانت المفوضية استخدام مواد قانونية فضفاضة في ملاحقة الأفراد، مثل تلك الواردة في بيانات الداخلية والتي تستند على مخالفة المقبوض عليهم لـ«الآداب العامة» أو «القيم الأسرية»، دون أي تعريف قانوني واضح، مشددة على أن مثل هذه التهم الهدف الأساسي منها فرض المزيد من الرقابة على الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، إلى جانب أيضا استخدامها بشكل انتقائي لاستهداف افراد منتمين لطبقات اجتماعية بعينها.
ووفق المفوضية، هذه الحملة تأتي في سياق أوسع من التضييق على المساحات حيث تستهدف النساء وصناع المحتوى ممن يستخدمون المنصات الرقمية كمصدر دخل وحيد أو كأداة للتعبير عن أنفسهم وتجاربهم اليومية. وهو ما يعد انتهاكا للحق في حرية التعبير المكفول في الدستور المصري وفقا لنص المادة 65 التي تنص على «حرية الفكر والرأي مكفولة٬ ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، وأيضا المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها مصر. وتؤكد الحملة أن تكرار استهداف النساء والشباب صناع المحتوى من فئات اجتماعية بعينها٬ يفضح نمطا تمييزيا ممنهجا، حيث يتم استهدافهم تحت دعوى «الحفاظ على قيم الأسرة المصرية» التي تشكل تعبيرا فضفاضا لا يمكن تحديده ولا يستقيم تجريم مخالفتها لعدم القدرة على تحديدها بنص القانون. وبينت أن استمرار اعتماد السلطات على مفاهيم غير منضبطة قانونيا مثل «الآداب العامة» و«قيم الأسرة» في توجيه الاتهامات، لا يمثل فقط إخلالا بحقوق الأفراد، بل يهدد منظومة العدالة، ويجعل من القانون أداة للوصاية الأخلاقية على المواطنين بدلا من أن يكون ضامنا لحرياتهم. وتؤكد أن هذه الاتهامات تستخدم كأداة رقابية لا تستند إلى ضرر فعلي أو واضح، بل إلى تقييمات أخلاقية قائمة على الأذواق الشخصية أو السياقات الطبقية والاجتماعية.

دعوة لوقف الملاحقات

وطالبت المفوضية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع صناع المحتوى المحتجزين على خلفية تعبيرهم السلمي، ووقف الملاحقات الأمنية والقانونية التي تستند إلى اتهامات فضفاضة الهدف منها فرض مزيد من القيود على حرية الأفراد، ومراجعة وتعديل التشريعات المتعلقة باستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، بما يضمن احترام الحقوق الرقمية والحريات العامة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات