يفتح بيان جماعة «أنصار الله» (الحوثيون)، الباب للتحذير من مواجهة تتسع مع سفن شركات الشحن لتشمل (أي دولة)، وفي (أي مكان) تطاله الجماعة، مما يفتح الطريق إما لمواجهة دولية معهم تصبح معها المنطقة أكثر التهابا، أو أن يستشعر العالم واجبه تجاه سرعة وأد العدوان الاسرائيلي في قطاع غزة.
وأعلنت الجماعة منتصف ليل الأحد/ الاثنين، بدء ما أسمتها «المرحلة الرابعة من الحصار البحري» على إسرائيل، وتشمل استهداف جميع السفن التابعة لأي شركة تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية، بعض النظر عن جنسية تلك الشركة، وفي أي مكان تطاله قواتهم المسلحة.
وطالب المتحدث العسكري باسم الجماعة، العميد يحيى سريع، كافة الشركات وقف تعاملها مع الموانئ الإسرائيلية، ابتداءً من ساعة إعلان البيان، «ما لم فسوف تتعرض سفنها، وبعض النظر عن وجههتها للاستهداف في أي مكان يمكن الوصول إليه أو تطاله صواريخنا ومسيّراتنا».
ودعا سريع «كافة الدول بأن عليها إذا أرادت تجنب هذا التصعيد، الضغط على العدو لوقف عدوانه ورفع الحصار عن قطاع غزة».
وأرجع هذا التصعيد إلى «التطورات المتسارعة في فلسطين المحتلة، وتحديدًا في قطاع غزة، من استمرار لحرب الإبادة الجماعية واستشهاد الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق جراء العدوان والحصار والمستمر منذ أشهر، وفي ظل صمت عربي وإسلامي وعالمي مخز».
وقال إن «اليمنَ، وأمامَ استمرارِ هذه المجازرِ المروعةِ والوحشيةِ وغيرِ المسبوقةِ في تاريخِنا المعاصرِ، يجدُ نفسَه أمامَ مسؤوليةٍ دينيةٍ وأخلاقيةٍ وإنسانيةٍ تجاهَ المظلومينَ الذين يتعرضونَ وبشكلٍ يوميٍّ وعلى مدارِ الساعةِ للقتلِ والتدميرِ».
عضو المكتب السياسي لـ «أنصار الله»K مُحمّد الفرح، اعتبر أن هذا القرار «هو تثبت لمعادلة الحصار بالحصار والتصعيد بالتصعيد»، و«ضرورة إنسانية وأخلاقية لمنع إبادة مليوني إنسان في غزة والعالم يتفرج».
وقال إن هدفهم من هذه الخطوة التصعيدية «الضغط على العدو الإسرائيلي لوقف جريمة الإبادة الجماعية وفك الحصار وإيقاف عدوانه على غزة».
وأوضح أن «القرار تم اتخاذه بعد دراسة جدوى لنقاط ضعف العدو»، مشيرًا إلى أن القرار «سيكون له تأثيرًا بالغاً على سلاسل التوريد وعلى الإمدادات العسكرية واللوجستية وأسعار الشحن والتأمين، وسيكون لذلك تداعيات اقتصادية تفضي إلى أزمة وارتفاع للأسعار داخل الكيان».
كما اعتبر أن «هذا القرار سيفضح كل مَن يدعم إسرائيل ويتواطأ معها على ارتكاب أبشع جريمة في التاريخ سواء من أبناء الأمة الإسلامية أو من خارجها» وفق “تدوينة” على منصة “إكس”.
بالتوقف أمام مضمون البيان، وما حمله من قرار، فإن ثمة تحديين سيكون لهما تداعيات وتبعات، فاستهداف سفن الشركات التي تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية (أيا كانت جنسيتها أو وجهتها)، يمثل تحديًا ليس لاتفاق الجماعة مع واشنطن، والذي تم إعلانه برعاية مسقط في السادس من مايو/أيار بشأن عدم استهداف الحوثيين للسفن الأمريكية الحربية والتجارية في البحر الأحمر وحسب، بل لكل السفن، فدول كثيرة تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية، وهو ما ستتسع معه ساحة الاستهداف، وبالتالي المواجهة المفترضة، والتبعات والتداعيات لكل ذلك.
التحدي الثاني يتعلق بالمكان، فالبيان ربط جغرافيا الاستهداف في (أي مكان تطاله قواتنا المسلحة)، وهوما ستتسع معه مساحة الاستهداف، مما قد يتجاوز البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وبالتالي تفاقم أزمة بحرية عالمية. إزاء كل ذلك ستكون المنطقة مهددة بتصعيد سيزيد من توترها، وهو ما سبق وحذر منه مراقبون ومحللون مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الأمر الذي أصبحنا قاب قوسين أو أدنى منه، في حال لم يفكر العالم بوضع حد لجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
تأكيدًا لذلك، قال عضو المكتب السياسي للجماعة، حزام الأسد، في تصريحات صحفية، إن التصعيد الجديد لن يستثني أي سفينة تتعاون مع إسرائيل، موضحًا: «أن الشعب اليمني ينطلق في مسار الإسناد من حالة التجويع وتفاقم الوضع الإنساني في غزة في ظل صمت عالمي وعربي واسلامي مخز».
وزاد: «أي دولة، كانت من تكون، وكانت تساند الكيان الإسرائيلي أو تتعامل مع موانئه، فهي بالتأكيد ستدخل في إطار هذه العملية وهذه المرحلة، ولن نستثني أي سفينة أو أي طرف أو جهة تتعامل مع الكيان الإسرائيلي»، في إشارة إلى أن السفن الأمريكية لن تُستثنى من الاستهداف، وبالتالي تجاوز الاتفاق المبرم بين الجانبين.
جغرافيًا، قال إنه «لا يوجد هناك مكان محدد للاستهداف، سيتم استهداف كل السفن التي تتعامل شركاتها مع الكيان الإسرائيلي في أي مكان تطاله القوات اليمنية»، مؤكدًا الاستعداد «لتحمل كل تبعات نصرة إخواننا في غزة».
إلى ذلك، قال القيادي في الجماعة، حسين العزي، الاثنين، إنه من الطبيعي أن لا يتقيدوا بحسابات السياسة المتعارف عليها: «عندما تجردون صنعاء وغزة من الحقوق والمصالح فمن الطبيعي جداً أن لا نتقيد بحسابات السياسة المتعارف عليها».
وكان الحوثيون أعلنوا في الثالث من مايو/ أيار 2024، ما اسموها «المرحلة الرابعة من التصعيد» الإسنادي لغزة. واعتبروا أن شقيها الأول تمثل في فرض حظر على كامل موانئ العدو الإسرائيلي، بما فيها الموانئ المطلة على البحر الابيض المتوسط، وبالتالي استهداف أي سفينة تنتهك الحظر في أي مكان يطالوه.
وكانوا أجلوا الشق الثاني من المرحلة إلى حين تنفيذ إسرائيل عملية عسكرية في رفح.
وعلى ما يبدو أن هذا الإعلان المتجدد للمرحلة بعد عام يمثل تفعيلًا لشقها الثاني، المتمثل في استهداف سفن جميع الشركات أي كانت جنسيتها وأي كانت وجهتها، وفي أي مكان تطاله قواتهم.
إسرائيليًا، نشرت صحيفة (تايمز أوف إسرائيل)، الاثنين، خبرًا في ذات الشأن، لكنه لم يحمل ردًا رسمياً إزاء بيان “أنصار الله” الأخير، إلا أنه قال: «يبدو أن التهديد الجديد من جانب الحوثيين يُشير إلى إمكانية استهداف حتى السفن الأمريكية».
وحسب تقرير لمجلة “لويدز ليست” المتخصصة بالشؤون الملاحية، صرح مارتن كيلي، رئيس قسم الاستشارات في شركة إيوز ريسك، بأن الحوثيين كانوا يتبعون بالفعل معايير الاستهداف الجديدة، حيث تعرضت سفينة “ماجيك سيز” لهجوم تحت هذه الذريعة في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال ديرك سيبيلز، كبير المحللين في شركة ريسك انتليجنس إنه “كان على مشغلي السفن مراعاة هذا التهديد على الأقل منذ الإعلان السابق في مايو 2024”.
وكان الحوثيون بدأوا في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 توجيه ضربات صاروخية وطائرات مسيّرة على جنوب إسرائيل، وأعلنوا في نوفمبر/ تشري الثاني من العام ذاته بدء استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إليها في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن.
وتطور الأمر إلى استهداف السفن الأمريكية والبريطانية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن منذ يناير/ كانون الثاني 2024.
وفي مارس/آذار أعلنوا توسيع منطقة العمليات لتشمل استهداف السفن المرتبطة والمتجهة لإسرائيل عبر المحيط الهندي وطريق رأس الرجاء الصالح. وفي الثالث من مايو/أيار وسعوا منطقة العمليات لتشمل موانئ إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط.
وقال بيان ليحيى سريع في الثالث من مايو/ أيار 2024 أنه في حال شن العدو الاسرائيلي عملية عسكرية عدوانيه على رفح فإن «القوات المسلحة اليمنية (التابعة للجماعة) ستقوم بفرض عقوبات شاملة على جميع سفن الشركات، التي لها علاقة بالإمداد والدخول للموانئ الفلسطينية المحتلة من أي جنسية كانت، وستمنع جميع سفن هذه الشركات من المرور في منطقة عمليات القوات المسلحة، وبغض النظر عن وجهتها». مما يجعل الإعلان الأخير تفعيلًا لما سبق وتم الإعلان عنه.
الحوثيون يتعهدون بتوسيع هجماتهم على شركات الشحن المتعاملة مع إسرائيل

تعليقات الزوار
لا تعليقات