أخبار عاجلة

ماذا يمكن أن تضيفه موريتانيا وتونس للمغرب الكبير؟

طرحت على نفسي هذا السؤال وأنا أعاين مثل غيري الشلل شبه الكلي الذي تعيشه فكرة الاتحاد المغاربي. نتيجة استفحال الصراع بين أكبر دولتين في الإقليم، الجزائر والمغرب. صراع يكاد يقضي على الفكرة ذاتها على مستوى الشعور الشعبي المشترك بعد «الاحتفالات» التي نظمتها بعض جماهير المغرب، بعد فشل الفريق الوطني الجزائري في تصفيات كأس افريقيا للأمم (الكان) في كوت ديفوار، ليحصل الشيء نفسه في الجزائر بعد أيام، إثر فشل الفريق الوطني المغربي. احتفالات، يجب أن يتم التعامل معها كمؤشر مهم على الانكسار الذي حصل في الفكرة المغاربية على مستوى الأجيال الصغيرة في السن، بعمقها الشعبي في هذه البلدان، التي يمثل الشباب أغلبية سكانها، تحول فيها ملعب كرة القدم إلى مقياس مهم لتوجهات الرأي العام. في غياب الحزب السياسي، والانتخابات النزيهة وعمليات سبر الآراء.
وضع جعلني أتوجه نحو حالتي تونس وموريتانيا، وحتى ليبيا في حالة تعافيها. لأقول لنفسي إن حل هذا الإشكال المغاربي قد يأتي من الدول «الصغيرة» وليس «الكبيرة». قد يأتي من تونس وموريتانيا، إذا عرفت القيادات السياسية والمجتمعية فيها كيف تتجنب منطق الاستقطاب، الذي تريد الدول الكبيرة في المنطقة، فرضه على بقية الدول واقتراح تصورات جديدة ومبتكرة، تخرج الفكرة المغاربية من أزمتها الحالية، لا تكون مبنية على فكرة الدولة القاطرة والكبيرة، التي يجب أن تفرض هيمنتها على كل دول المنطقة، كما حاول أن يفعل المغرب، حين رفض الاعتراف بموريتانيا لسنوات بعد استقلالها، تكون وسيلتها الأساسية المجتمعات المدنية في البلدين، بما تتمتع به من إمكانيات عمل ما زالت متاحة حتى الآن، وإعلام ما زال مفتوحا وحريات فردية، يمكن أن تتطور نحو الأحسن في البلدين، رغم العثرات التونسية الحالية التي أتمنى أن تكون مؤقتة.

فكرة التوجه نحو موريتانيا وتونس للانطلاق في إنجاز المشروع المغاربي، المبنية على فرضية أخرى أصبحت أكثر إلحاحا عليّ في السنوات الأخيرة وأنا أشاهد تعطل المشروع الكبير، الذي انطلق مع الحركة الوطنية المغاربية من دوله الثلاث – الجزائر – تونس والمغرب ـ قبل أن تلتحق به ليبيا المشتتة بين مغربها ومشرقها وموريتانيا، التي يمكن أن تضيف للفكرة عمقا افريقيا ازدادت أهميته مع الوقت. فكرة البناء على ما هو متاح وقابل للتحقيق على المدى القصير، التي قد يراها البعض متواضعة وتنازلا عن المشروع الأساسي، لكنها يمكن أن تكون أكثر براغماتية وتوافقا مع المعطيات السياسية الإقليمية والدولية السائدة في المنطقة. يمكن تلخيصها بالشكل التالي.. إنجاز ما يمكن إنجازه من أشكال الوحدة والتنسيق والتحالف، بين الدول التي تكون أكثر قبولا للعمل المشترك حتى في غياب أطراف أخرى لسبب أو لآخر، كما هو حاصل بين المغرب والجزائر. فما الذي يمنع أن تذهب تونس مع الجزائر الجارتين في إنجاز الكثير من أشكال التنسيق، بل الوحدة ـ البعض يخاف من هذه الكلمة ـ في انتظار أن تلتحق دول المنطقة الأخرى، بهذا المشروع، بعد أن يكون قد أظهر جدواه، اعتمادا على ما هو متوفر من مجالات كثيرة بين البلدين. نكون قد تعرفنا خلالها على قدراتنا الحقيقية وتغلبنا فيها على ما نستطيع فعله، وما لا نستطيع، كما هو حال القطاعات التي تتنافس فيها اقتصاديات البلدين ولا تتكاملان، لنكون أمام أحد اهم الإشكاليات التي يطرحها هذا المشروع، التي يمكن تلخيصها في الأسئلة التالية، تحيل كلها إلى الحامل الاجتماعي لمثل هذا المشروع، على رأسها البورجوازيات الوطنية الحاضرة اقتصاديا، وبيروقراطيات الدولة، زيادة بالطبع على المواطن الفاعل والمنظم الداعم للمشروع والمروج له. فهل من مصلحة أرباب العمل في القطاع السياحي في تونس، على سبيل المثال، أن يتم الانفتاح على السوق الجزائرية، التي يمكن أن تتوجه نحو التنافس مع الحالة التونسية عن قريب.. وما هي إمكانيات هذا العمل المشترك بين اقتصادات ضعيفة ومتنافسة مثل التي نشاهدها في المنطقة المغاربية؟ السؤال نفسه الذي يمكن طرحه في المجال الفلاحي والقطاعات الصناعية الجنينية، التي يجب العمل عليها لوقت معين حتى تدخل منطق التكامل وليس التنافس السائد الحالي الذي بنيت عليه في الأصل هذه الصناعات مهما كانت متواضعة.
الأسئلة نفسها بالطبع يمكن أن تطرح في الجزائر على أرباب العمل في القطاع الخاص، ورب العمل الكبير الممثل في الدولة الوطنية في مجال الطاقة، التي يميز الوضع في الجزائر، أسئلة يمكن أن نكررها ونحن نتكلم عن إمكانيات التنسيق والتعاون الكثيرة بين تونس وليبيا.. وليبيا والجزائر في الميادين الاقتصادية بمفهومها العام، كما هو حال أبناء المناطق الحدودية، بكل التشابه والتجانس الذي تعرفه، كما هو حال الكثير من القبائل التونسية والجزائرية والليبية، التي تقسمها الحدود الدولية بين الدول، ولا تجمع بينها، حان وقت الجمع بينها في إطار هذا المشروع الذي يملك الكثير من شروط نجاحه الاقتصادي، ليكون أبناء الحدود على رأس اهم المستفيدين والمدافعين عن مثل هذه الوحدة من أسفل، رغم الضعف السياسي الذي يميز حضور أبناء الحدود وهشاشة مصالحهم الاقتصادية المتهمة في الغالب بالتوجه نحو النشاطات غير القانونية، المرتبطة بالتهريب والمخدرات وغيرها من النشاطات غير الشرعية التي فرضها عليها منطق الحدود المغلقة.
وحدة من أسفل قد لا تفهمها النخب البيروقراطية الحاضرة على رأس الدولة الوطنية في كل الحالات المغاربية، وقد تحاربها، لأنها تخرج عن المنطق السائد الذي تعودت عليه. في تسيير الشأن العام الوطني منذ الاستقلال، الذي بهتت فيه الفكرة المغاربية، مقارنة بالفترة الاستعمارية عندما قادت نخب سياسية هذا المشروع المغاربي، رغم فشلها في تحقيق أهدافه المتمثلة في إنجاح حركة تحرر وطنية واحدة، بدل وضع الاستقلال الذي يتصدر المشهد فيه وزير الداخلية برؤيته الأمنية. مشروع بناء من أسفل بين ما هو متاح من فرص بين الدول، الذي قد لا يجد ممانعة كبيرة من قبل الدول الأوروبية، الجار الشمالي إذا اقتصر نظرها على رؤيته كسوق لسلعها وأمنا لحدودها، عكس الموقف الرافض الذي يمكن أن تتبناه إذا خرج المشروع إلى آفاق سياسية لن تحبذها، إلا إذا كانت تحت مظلتها، كما تبينه حالة التفاوض مع الدول المغاربية فرادى، أمام المشكل نفسه، كما هو الحال في قضية الهجرة غير الشرعية، التي ناقشتها مع كل دول المنطقة على حدة، في أوقات مختلفة، بوفد أوروبي واحد قاده منذ سنوات الأشخاص أنفسهم من هولندا وإسبانيا!

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات