انتشرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر خلال الأيام الماضية، تظهر طلاّب الطب في جامعة جزائرية وهم يرتدون زيّ التخرّج ويؤدّون القَسَم باللغة الفرنسية تحت إشراف أساتذتهم، ما أثار موجة جدل واسعة لاسيما في ظل محاولات الدولة تقليص الاعتماد على لغة موليير في المدارس عموما.
وتفاوتت الآراء بين من اعتبر الخطوة جزءا من التقاليد الجامعية، ومن رأى فيها مساسا بالهوية الوطنية وانتقاصاً من لغة الأمة والبلد. وأن "استعمال لغة المستعمر في مراسم حسّاسة يمسّ بالهوية الوطنية".
وانتقد ناشطون اعتماد اللغة الفرنسية في مراسم رسمية داخل جامعة مولود معمري في مدينة تيزي وزو، معتبرين أن أداء القَسَم بلغات أجنبية لا يعكس التحولات التي تشهدها البلاد في مجال تعزيز استعمال اللغة العربية في المؤسسات والمناسبات الرسمية، بينما دافع آخرون عن ذلك، وأشاروا إلى أنّ التعليم الطبي في الجزائر يعتمد أساسا على المراجع والمناهج الفرنسية منذ عقود، وأن أداء القَسَم باللغة المعتمدة في التكوين يعد أمرا طبيعيا.
ويعكس هذا الجدل، سجالا أوسع تشهده الجزائر في السنوات الأخيرة حول مستقبل الفرنسية في التعليم والإدارة، مقابل توسّع الدعوات لاعتماد الإنجليزية كلغة للعلوم والبحث، تماشيا مع التوجّهات العالمية.
ومنذ سنوات تضغط السلطات الجزائرية على عدد من المدارس الخاصة لإلزامها بالامتثال لقوانين الدولة التي تحظر تدريس المناهج التعليمية الفرنسية.
وأخذت القضية أبعادا تجاوزت الجانب التعليمي، إذ تم توظيفها في سياق تعزيز رموز السيادة الجزائرية ومحاصرة النفوذ الثقافي للمستعمر الفرنسي السابق (1830 ـ 1962).
ومقابل صمت رسمي فرنسي، تناولت وسائل إعلام فرنسية بإسهاب، القرار الجزائري، معتبرة أنه "حصار" للغة الفرنسية، و"رد" على التوتر السياسي بين البلدين، بينما أكدت الحكومة الجزائرية أنه تصحيح لوضع غير قانوني.
وبين البلدين ملفات خلافية عالقة منذ عقود ترتبط بحقبة الاستعمار، من أبرزها إصرار الجزائر على استعادة الأرشيف والممتلكات ورفات المقاومين، بالإضافة إلى ملفي المفقودين وآثار التجارب النووية الفرنسية.
والتعمق في خلفيات التغاضي عن ازدواجية المناهج التعليمية في الجزائر، يفتح الباب أمام قراءات تتعلق بما أُطلق عليه "هيبة الدولة" وتنشئة تلاميذ على هوية ثقافية وسلوكية فرنسية، فضلا عن الدوافع التجارية والتعليمية.
ووظفت وسائل إعلام فرنسية القرار في سياق تذبذب العلاقات بين الجزائر وباريس منذ عام 2019، معتبرة إياه "حصارا آخر" على اللغة الفرنسية، مثلما قالت صحيفة "لوموند".
وهناك نصين قانونين يحكمان نشاط المدارس الخاصة، وهما مرسوم تنفيذي صادر عام 2005 يحدد شروط إنشاء هذه المدارس، وأمر رئاسي يحدد القواعد العامة التي تحكم التعليم فيها.
والمادة 9 من الأمر الرئاسي تنص على أن "يجري التعليم في مؤسسات التربية والتعليم الخاصة بصفة إجبارية باللغة العربية، باستثناء اللغات الأجنبية في جميع المواد وفي كل المؤسسات".
وتؤكد المادة 10 أنه "يتعين على مؤسسات التربية والتعليم الخاصة تطبيق البرامج الرسمية للتعليم المعمول بها في مؤسسات التربية والتعليم العمومية التابعة لوزارة التربية الوطنية".
إلى جانب البعد القانوني، أضافت الحكومة الجزائرية أبعادا أخرى في تفسير القضية، إذ ربط وزير الاتصال محمد لعقاب، في تصريح صحفي، تدريس المدارس الخاصة خارج القانون للمنهاج الفرنسي بـ"تراجع هيبة الدولة".
ولعقاب أضفى على منع التدريس بالمنهاج الفرنسي بعدا سياديا بقوله مستنكرا: "برامج أجنبية في مدارس جزائرية؟!.. هل سيُسمح لنا بتدريس برامجنا في مدارس أجنبية بالخارج دون اتفاقيات؟!".
وبداية من الصف الرابع في المدارس الابتدائية، يعتبر تعليم اللغة الفرنسية إجباريا في الجزائر، ويستمر بشكل اختياري في المرحلتين الإعدادية والثانوية وبعض الجامعات ذات التخصصات العلمية، على غرار الطب وجراحة الأسنان والصيدلة والهندسة.
ويقتصر تعليم الفرنسية في الجزائر على تلقين اللغة وليس الثقافة والقيم الفرنسية، في حين يُدرس الأدب الفرنسي فقط لطلاب الجامعات الذين اختاروا تخصص لغة فرنسية.

تعليقات الزوار
لا تعليقات