أخبار عاجلة

المعارضة الجزائرية المنهكة تعود لساحة سياسية في مشهد مأزوم

 تتهيأ الحياة السياسية في الجزائر لمرحلة جديدة، مع إعلان عدد من أحزاب المعارضة عودتها إلى السباق التشريعي المرتقب مطلع عام 2026، في ثاني انتخابات برلمانية تُنظّم منذ انطلاق الحراك الشعبي عام 2019، بينما تمثل هذه العودة محاولة لإعادة الفعل السياسي إلى الواجهة بعد فترة غابت خلالها التشكيلات المعارضة عن المشهد البرلماني، باستثناء حركة مجتمع السلم (حمس) المحسوبة على تيار الاخوان المسلمين.

ولم تنجح الأحزاب الإسلامية في الجزائر في انتزاع موقع متقدم في المشهد السياسي مثقلة بإرث العشرية السوداء التي شهدت موجة أعمال إرهابية ومواجهة دموية بين أتابع الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) والسلطات على إثر الغاء الجيش نتائج الانتخابات التشريعية في تسعينات القرن الماضي والتي فاز فيها الإسلاميون.

وفي العقود القليلة الماضية كانت حركة مجتمع السلم ضمن أحزاب الموالاة وتصرفت بمنطق قدم في المعارضة وأخرى في سفينة السلطة. وحين أدركت في 2019 أن نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة على وشك السقوط قفزت من سفينة الموالاة وانضمت للحراك الشعبي في اللحظة الأخيرة شأنها شأن أحزاب معارضة ركبت موجة الحراك الشعبي.

وأبرز الأحزاب التي أعلنت مشاركتها هي جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في البلاد، إلى جانب حزب العمال ذي التوجه اليساري. في المقابل، لا يزال التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يدرس موقفه النهائي، ما يعكس مستوى من التردد داخل المعارضة وعدم وضوح الرؤية الموحدة للمستقبل السياسي.

وأدى غياب المعارضة في الدورة البرلمانية الماضية إلى فقدان البرلمان لتعدد الأصوات الذي شكّل سابقًا مساحة جدلية حيوية أثرت في النقاشات المتعلقة بالسياسات العامة ومشاريع القوانين.

وبحسب القيادي في جبهة القوى الاشتراكية، وليد زعنابي، فقد جاءت مقاطعة انتخابات 2021 في سياق اتسم بـ"تضييق النقاش العام وتقييد الحريات"، وهو ما يشير إلى الصعوبات البنيوية التي واجهت المعارضة في مواكبة العمل السياسي الفعلي.

ويؤكد زعنابي أن المشاركة المقبلة تهدف إلى "إعادة الاعتبار للفعل السياسي، والدفاع عن الحريات الدستورية، وتوسيع فضاءات الحوار الوطني"، مشيرًا إلى أن الجبهة تسعى لتجديد حضورها في مختلف ولايات البلاد، بما فيها منطقة القبائل التي تعد إحدى قلاعها التاريخية. ويرى أن عزوف الناخبين خلال السنوات الماضية ظاهرة مقلقة ينبغي معالجتها عبر إجراءات تهدئة سياسية واقتصادية.

من جهته، يرى القيادي في حزب العمال جلول جودي، أن قرار المشاركة جاء بعد نقاش داخلي معمق، معتبرًا أن الوضع الراهن يتطلب "تحمّل المسؤولية دفاعًا عن الحقوق والحريات، والعمل من أجل بناء اقتصاد قوي غير هش"، مشيرا إلى أن حزبه سيدفع نحو سياسات اجتماعية تهدف إلى مكافحة البطالة، ودعم التعليم والثقافة، ومحاربة أشكال العنف والتمييز.

وتبدو هذه الرسائل في ظاهرها فعلا ديمقراطيا إيجابيا يكرس منطق المشاركة واحداث توازن سياسي في مشهد يهيمن عليه الحزب الحاكم منذ الاستقلال، حزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان)، لكن بين خطاب الدعاية أو الرسائل الوردية، تظهر الصورة الأكثر قتامة لمشهد خلا من الفعل السياسي الوازن والقدرة على تشكيل جبهة قادرة على منازعة الحزب الحاكم.

فرغم هذه المبادرات، يبقى التشرذم والانقسامات داخل المعارضة أبرز التحديات التي تواجه قدرتها على التأثير، فالتشتت التنظيمي والخلافات حول استراتيجيات المشاركة، وتفاوت قدرة الأحزاب على التعبئة الشعبية، يضعف من فرصها في خلق توازن سياسي أمام الحزب الحاكم، الذي يظل رغم بعض الانقسامات الداخلية، القوة الأبرز في المشهد السياسي.

كما أن غياب تنسيق فعّال بين أحزاب المعارضة يجعل من الصعب تشكيل جبهة موحدة قادرة على الضغط والمحاسبة، أو التأثير في صياغة السياسات العامة.

ويمكن القول إن قدرة أحزاب المعارضة على إحداث توازن سياسي أمام 'الأفلان' ما زالت محدودة، فهي تواجه تحديات هيكلية وتنظيمية، منها ضعف الوحدة الداخلية، وانقسام الرؤى الاستراتيجية، وعدم قدرة بعض الأحزاب على استعادة مصداقيتها أمام المواطنين. ومع ذلك، تمثل العودة إلى الانتخابات فرصة لإعادة بناء حضور المعارضة وتجديد الفعل السياسي، خصوصًا إذا نجحت في توحيد الصفوف وإعادة ثقة الناخبين.

ويبقى الشارع الجزائري أبعد ما يكون عن الاقتناع بقدرتها على إحداث التغيير أو خلق توازن سياسي ينهي هيمنة الحزب الحاكم على المشهد، فسنوات من الإخفاقات، والانقسامات الداخلية، والمواقف المتذبذبة خلال محطات سياسية حاسمة، جعلت كثيرًا من الجزائريين ينظرون إلى المعارضة بوصفها جزءًا من الأزمة، لا أداة للخروج منها. ويتجلى ذلك في معدلات العزوف الانتخابي المتزايدة، وفي إحساس عام بأن التنافس الحزبي لا يفضي إلى تحول فعلي داخل مؤسسات الدولة.

ومع غياب مبادرات قوية تستعيد الثقة، ومع استمرار الفجوة بين الخطاب السياسي وواقع المواطنين، تجد المعارضة نفسها أمام تحدٍّ صعب: إقناع الشارع أولًا بجدوى المشاركة قبل السعي إلى مواجهة هيمنة 'الأفلان' أو تغيير ميزان القوى داخل البرلمان المقبل.

ويشهد المشهد السياسي الجزائري تحولات مستمرة منذ الانتخابات الرئاسية في سبتمبر/ايلول 2024، وسط تحديات إقليمية متصاعدة تتعلق بتوترات الساحل الإفريقي والتموضع الدولي في المنطقة.

وفي هذا السياق، تبرز المعارضة كمكون أساسي لإعادة التوازن السياسي، لكن فعاليتها تبقى مرتبطة بقدرتها على تجاوز الانقسامات الداخلية، وتقديم برامج واضحة وجاذبة، واستعادة الثقة الشعبية. إذا نجحت في ذلك، يمكن أن تتحول الانتخابات المقبلة إلى فرصة حقيقية لإعادة إشراك المواطنين في العملية السياسية، وإحداث تحول ملموس في معادلة القوى بين الأحزاب المعارضة والحزب الحاكم.

لكن المشهد بتجلياته الراهنة وبناء على شواهد سابقة لا يوحي بأن المعارضة الجزائرية يممكن أن تستعيد زمام المبادرة في مواجهة الآلة الدعائية للحزب الحاكم وقدرته على تسخير موارد الدولة في الدعاية السياسية وتوجيه الراي العام.

ولم يسبق للمعارضة الجزائرية أن وقفت موقفا حازما إزاء تجاوزات سياسية مقلقة بداية بتضييق الخناق على الحريات وصولا إلى ملفات الفساد الحارقة التي جعلت من دولة نفطية بحجم الجزائر، عاجزة عن تحقيق طفرة نمو أو معالجة القضايا الاجتماعية الملحة.

وباختصار يبدو أن الشعب والمعارضة يقفان أمام معضلة مع تحول الدولة من دولة الشعب إلى دولة الحزب الواحد.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات