أحدث قرار العفو الرئاسي في الجزائر عن الكاتب بوعلام صنصال ردود أفعال متباينة بين الموالاة التي أشادت به وعدّته دليلا على حكمة الدولة، وبين المعارضة التي دعت إلى استتباعه بخطوات مماثلة تشمل شخصيات ونشطاء لا يزالون في السجن.
وفي بيان له، ثمن حزب جبهة التحرير الوطني أكبر أحزاب البرلمان، قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون القاضي بالعفو عن صنصال، واعتبره قرارا “حكيما يعكس عمق الرؤية الوطنية للقيادة السياسية في ترسيخ نهج الدولة العادلة الرحيمة”.
وأكد الحزب أن القرار يستند إلى أسس دستورية وقانونية ويحمل رسالة واضحة إلى العالم بأن الجزائر “لا تخضع لأي ابتزاز أو مساومة”، مجددا دعمه المطلق لكل قرارات الرئيس تبون ومساعيه لبناء دولة قوية وسيدة في قراراتها.
أما التجمع الوطني الديمقراطي، فاعتبر أن العفو الرئاسي “يندرج ضمن الصلاحيات الدستورية المخولة لرئيس الجمهورية” بعد صدور حكم قضائي نهائي بحق صنصال، مؤكدا أن القرار يعكس “حكمة الرئيس ويؤكد سيادة الدولة واستقلال قرارها الوطني”.
وأشار الحزب إلى أن هذا القرار أسقط “إحدى الأوراق التي حاولت أطراف خارجية استغلالها للإساءة إلى صورة الجزائر”، مجددا دعمه الكامل لكل الخطوات التي من شأنها تعزيز الجبهة الداخلية وترسيخ الثقة بين المواطن والدولة.
من جهتها، عبرت جبهة المستقبل عن “تقديرها واعتزازها” بقرار العفو، واعتبرته موقفا يجسد “عمق الرؤية الوطنية ومسؤولية القيادة في ترسيخ نهج الدولة العادلة والرحيمة”، مؤكدة أن القرار يستند إلى المادة 91 من الدستور التي تخول لرئيس الجمهورية حق العفو بصفته رمزا للسيادة ومظهرا للرحمة والإنصاف.
ورأت الجبهة أن العفو في هذا الظرف “يحمل رسالة قوية مفادها أن الجزائر ماضية بثبات نحو الاستقرار وتغليب المصلحة العليا للوطن”، معتبرة أن الخطوة “تفتح آفاقا جديدة لمعالجة القضايا بروح وطنية مسؤولة”، داعية جميع القوى الوطنية إلى الاصطفاف حول مشروع الدولة العادلة والرحيمة.
وفي جانب المعارضة، اعتبر رئيس حزب “جيل جديد” جيلالي سفيان، أن الإفراج عن صنصال “لدواع إنسانية” يستدعي أن يتخذ رئيس الجمهورية قرارات مماثلة تخص “العديد من السجناء الجزائريين الذين يقبعون في السجون لأسباب أقل خطورة”، محذرا من أن عدم القيام بذلك “سيُعتبر رسالة مفادها أن الرحمة الرئاسية مرهونة بالضغوط الخارجية أو الحماية الدولية”، وأن المواطنين الجزائريين مستبعدون من دائرة الأولويات الإنسانية.
بدوره، عبّر الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري عن انتقاده الشديد للقرار، قائلا إن “إطلاق سراح صنصال بعد تدخل أجنبي مصيبة أعظم من إطلاقه دون تدخل”، معتبرا أن “التدخل الألماني مجرد مناولة للفرنسيين في هذه القضية”، مشيرا إلى أن ما حدث يعكس أن “اتهامات الخيانة المصرح بها رسميا لها حماية أجنبية”.
وأوضح مقري أن بقاء الوطنيين مثل الباحث في التاريخ محمد الأمين بلغيث، والصحافي عبد الوكيل بلام في السجون مقابل الإفراج عن صنصال “يدل على أن الأقليات المشبوهة ذات نفوذ حاسم في البلد”، مضيفا أن ذلك يعكس “انقلابا في سلم القيم حيث صار المعروف منكرا والمنكر معروفا”، في إشارة إلى ما وصفه بتناقض مواقف السلطة.
أما رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان معزوز، فاعتبر أن “العفو عن بوعلام صنصال كان مفيدا وإيجابيا”، مذكرا بأن حزبه كان من “الجهات القليلة التي دعت علنا إلى الإفراج عنه رغم الخلاف مع مواقفه بشأن قضية وحدة التراب الوطني”.
وأوضح أن الدفاع عن حرية التعبير “حتى لمن نختلف معهم هو شجاعة سياسية حقيقية”، مشيرا إلى أن حزبه يناضل من أجل “إطلاق سراح جميع سجناء الرأي ووضع حد لمنطق القمع الذي يخنق المجتمع”. وأضاف أن هذا العفو، سواء كان “ثمرة تدخل ألماني أو حركة دبلوماسية لتهدئة التوتر مع فرنسا”، يجب أن يُعتبر “إشارة مشجعة نحو الانفتاح والمصالحة”، مؤكدا أن الجزائر “لن تستعيد مكانتها وكرامتها الدولية إلا بالحرية والعدالة”.
وكانت قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال قد عرفت نهاية غير متوقعة، فقد تم الإفراج بتدخل من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، بعد نحو سنة رفضت فيها السلطات الجزائرية كل نداءات والتماسات المسؤولين الفرنسيين الداعية إلى إطلاق سراحه.
وفي بيان لها، أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون تلقى بتاريخ 10 نوفمبر 2025 رسالة من شتاينماير تتضمن طلبًا بالعفو لأسباب إنسانية، مشيرة إلى أن الرئيس تجاوب مع الطلب، عملاً بالمادة 91 الفقرة 8 من الدستور، وبعد الاستشارة القانونية المعمول بها، وهو ما يعني عمليا حصوله على العفو الرئاسي.
وأضاف البيان أن “الدولة الألمانية ستتكفل بنقل الكاتب وعلاجه في الخارج”، ليغلق بذلك ملف واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال السنوات الأخيرة، إذ تحولت قضية صنصال إلى ملف سياسي ودبلوماسي تجاوز أبعادها القضائية.
وتزامنت الوساطة الألمانية مع مؤشرات أخرى على تقارب حذر بين الجزائر وفرنسا، منها استئناف الاتصالات بين الأجهزة الأمنية وعودة التحضير لزيارات رسمية منها تلك التي تخص وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز.
وكان الكاتب قد اعتقل في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، لدى وصوله مطار الجزائر، بعد تصريحاته لقناة يمينية متطرفة شكك فيها في أحقية الجزائر لحدودها الحالية. وتم وضعه رهن الحبس المؤقت، قبل أن تتم محاكمته على مرتين وإدانته بخمس سنوات سجنا نافذا. وعرف بوعلام صنصال، الذي شغل منصبا حكوميا رفيعا في بداية الألفية كمدير في وزارة الصناعة، بكتاباته المثيرة للجدل التي وُصفت في الجزائر بأنها تمس بالثوابت الوطنية.

تعليقات الزوار
لا تعليقات