يمضي المغرب بخطى متسارعة وثابتة نحو ترسيخ موقعه كداعـم إقليمي للصناعات الدفاعية، مستندًا إلى رؤية إستراتيجية واضحة وضع أسسها العاهل المغربي الملك محمد السادس، تقوم على بناء استقلالية وطنية في المعدات العسكرية، وتعزيز جاهزية القوات المسلحة الملكية، وتطوير منظومة صناعية محلية قادرة على الإنتاج والتصدير.
وفي هذا السياق، كشف تقرير برلماني حديث، استنادًا إلى معطيات وزارة الدفاع، عن منح 10 تراخيص جديدة لمشاريع صناعية دفاعية باستثمارات إجمالية بلغت 260 مليون دولار.
وهذه المشاريع، التي تغطي أنشطة دفاعية متنوعة، تمثل مرحلة جديدة في سياسة الانفتاح على الصناعات العسكرية التي أطلقتها المملكة قبل سنوات، والتي تستهدف تقليص التبعية الخارجية، وبناء قدرات ذاتية متقدمة في مجالات التصنيع والتجهيز والدعم اللوجستي. وأوضح التقرير أن خمسة مشاريع إضافية توجد حاليًا قيد الدراسة أو في المراحل الأخيرة من إنجازها، بما يتماشى مع حاجيات القوات المسلحة الملكية التي يجري تحديثها بشكل مستمر منذ إطلاق الإصلاحات العميقة في القطاع العسكري.
وتتزامن هذه الخطوات مع زيادة غير مسبوقة في ميزانية الدفاع ضمن مشروع موازنة عام 2026، إذ بلغت 15.7 مليارات دولار، بزيادة تجاوزت 18 بالمئة مقارنة بعام 2025. ووفق الوثيقة المالية المصادق عليها بمجلس النواب، فإن هذه الزيادة موجهة بالأساس لاقتناء وإصلاح وتجديد منظومات السلاح، وتطوير الصناعة الدفاعية المحلية، في انسجام مع التوجيهات الملكية التي تؤكد ضرورة توفير تجهيزات متطورة للقوات المسلحة بما يعزز قدراتها العملياتية والقتالية.
ويأتي هذا الحراك داخل مسار متكامل بدأ يتعزز منذ يونيو/حزيران الماضي، حين أعلنت المملكة عن إحداث منطقتين صناعيتين متخصصتين في الصناعات الدفاعية، تعنى بمعدات الأمن والآليات العسكرية وأنظمة الأسلحة. ووفق التقرير البرلماني، فقد تم اتخاذ جميع الترتيبات القانونية والإدارية لبدء أشغال تهيئة المنطقتين الصناعيتين، على أن تكونا جاهزتين لاستقبال المستثمرين قبل نهاية 2026. وتمثل هاتان المنطقتان خطوة هيكلية في مسار توطين الصناعة العسكرية، إذ ستتيحان جذب شركات دولية كبرى، وتشجيع نقل التكنولوجيا، وتعزيز سلاسل الإنتاج المحلية.
ولتهيئة بيئة ملائمة للمستثمرين، فعلت المملكة خلال السنوات الأخيرة مجموعة من الإصلاحات القانونية والتنظيمية، أبرزها توسيع نطاق الإعفاء المؤقت من الضريبة على الشركات ليشمل أنشطة الصناعة الدفاعية، إضافة إلى تعديل مرسوم الصفقات العمومية في مارس 2023، بهدف تحفيز الشركات المتعاقدة مع إدارة الدفاع على توطين جزء من استثماراتها داخل المغرب.
ويعكس هذا الزخم حرص المغرب على امتلاك قاعدة صناعية دفاعية حديثة ومتكاملة، قادرة على دعم القوات المسلحة الملكية، والمساهمة في تعزيز الأمن الوطني والإقليمي. كما ينسجم مع الرؤية الملكية التي تشدد على تطوير منظومة دفاعية ذات طابع استراتيجي، قائمة على تصنيع محلي متدرج، وشراكات دولية متقدمة، وتحديث مستمر لقدرات الجيش البرية والبحرية والجوية.
وبإطلاق عشرات المشاريع الجديدة، وتهيئة مناطق صناعية عسكرية متخصصة، ورفع ميزانية الدفاع، يرسخ المغرب موقعه كفاعل صاعد في الصناعات الدفاعية على المستوى الإفريقي والمتوسطي، ويواصل تعزيز جاهزية قواته المسلحة وفق نهج تحديث شامل يقوده الملك محمد السادس منذ سنوات.

تعليقات الزوار
لا تعليقات