تحت عنوان “العلاقات الفرنسية-الجزائرية.. بعد الإفراج عن صنصال عودة غير مؤكدة إلى الوضع الطبيعي”، قال موقع “ميديابارت” الفرنسي، في مقال بقلم إلياس رمضان، إن إعلان الكاتب والروائي الفرنسي- الجزائري بوعلام صنصال نفسه عن وصوله المرتقب إلى باريس، عقب توجهه إلى برلين إثر العفو الرئاسي الذي منحه له الرئيس الجزائري، أعاد الأمل لإمكانية تهدئة التوترات بين فرنسا والجزائر، رغم أن العودة إلى الوضع الطبيعي ما تزال غير مؤكدة.
وأشار “ميديابارت” إلى أن فرنسا لم تنتظر وصول صنصال إلى الأراضي الفرنسية لتعبّر عن “ارتياحها”، حيث أكد رئيس وزرائها سيباستيان لوكورنو هذا الموقف، فيما شدد الرئيس إيمانويل ماكرون على دور باريس في الإفراج عن الكاتب، معتبرًا أنّ الأمر “ثمرة جهود متواصلة”.
وتابع “ميديابارت” القول إنّ فرنسا رفضت أن يتم إقصاؤها لصالح ألمانيا، رغم أنّ برلين هي التي تولّت رسميًا التفاوض على إطلاق سراح بوعلام صنصال، ونقلته من الجزائر واستقبلته على أراضيها. وحاول قصر الإليزيه (الرئاسة الفرنسية) التقليل من هذا الدور الألماني، واصفاً تدخل برلين بأنه “مساعٍ حميدة لطرف موثوق”، يُشير “ميديابارت”.
ورأى “ميديابارت” أن الطريقة التي اختارتها الجزائر للتعامل مع الملف هدفت بوضوح إلى إبقاء باريس على الهامش، كنوع من الردّ على ما اعتبره النظام الجزائري “غطرسة” من الجانب الفرنسي، مضيفًا أن قرار العفو لم يكن فقط تنازلًا دبلوماسيًا لصالح ألمانيا، بل أيضًا وسيلة لتعزيز العلاقات الجزائرية–الألمانية.
وقال “ميديابارت” إن بقاء صنصال، البالغ من العمر 81 عامًا، المريض، في السجن – محكوم عليه بخمس سنوات بتهمة “المساس بأمن الدولة”- أصبح عبئًا على الجزائر في ظل رغبتها في تنويع شركائها الدوليين. ونقل الموقع عن الباحث حسني عبيدي قوله إن “الكلفة السياسية للقضية أصبحت محرجة للغاية للسلطات الجزائرية”.
ومضى “ميديابارت” قائلاً إن خروج برونو روتايو من الحكومة الفرنسية (وزارة الداخلية) كان عاملًا حاسمًا في تهدئة الأزمة، إذ كانت الجزائر ترفض تقديم أي تنازل لفرنسا طالما أن شخصية محسوبة على “اليمين المتطرف الحاقد”، وفق توصيف القنوات الجزائرية الرسمية، تشغل موقعًا أساسيًا في السلطة الفرنسية.
وأشار “ميديابارت” إلى أن سلسلة من الأحداث السياسية الفرنسية الداخلية أدت، بشكل غير مباشر، إلى فتح الباب أمام حل الأزمة: سقوط حكومة بايرو، تعيين لوكورنو لتشكيل حكومة جديدة، خروج روتايو، ثم التحرك الألماني الرسمي لطلب العفو، لتنتهي الفترة بإطلاق سراح صنصال.
وتابع “ميديابارت” نقلًا عن مسؤولين فرنسيين أن “سياسة التصعيد والضغط لم تُجدِ نفعًا”، وأن غياب روتايو سمح بتهيئة مناخ أكثر هدوءًا لاستئناف العلاقات؛ معتبراً أن فشل السياسة الفرنسية تجاه الجزائر يتحمله الرئيس ماكرون قبل غيره، إذ كان قد تبنى خطاب التشدد والدفع نحو “نهج أكثر صرامة”، قبل أن يتراجع عنه لاحقًا مع تغيّر الظروف.
وأضاف “ميديابارت” أن انفراج العلاقات لم يتحقق من قصر الإليزيه، بل عبر ثلاثة مسؤولين لعبوا أدوارًا مركزية: رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو، وزير الداخلية لوران نونييز، ومدير الاستخبارات الخارجية نيكولا لورنيه، الذين أعادوا التركيز على التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. وقد استقبلت الجزائر هذه الإشارات بترحيب، لا سيما أن الجيش وأجهزة الاستخبارات فيها يمسكون بالملفات الدبلوماسية الحساسة.
واعتبر “ميديابارت” أن العقبات التي أعاقت التقارب بين البلدين – اعتقال صنصال من جهة، ووجود روتايو في الحكومة من جهة أخرى – قد أزيلت، ما يفتح الباب أمام استعادة العلاقات تدريجيًا. لكن “ميديابارت” أشار في الوقت نفسه إلى أن الانفراج ما يزال هشًا، وأن الطريق نحو عودة كاملة إلى طبيعتها ما تزال طويلة.
ولفت “ميديابارت” إلى أن اللقاءات بين المسؤولين بدأت تعود، وأن قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ قد تشكل فرصة لماكرون وتبون للتواصل المباشر يومي 22 و23 نوفمبر الجاري.
وأوضح “ميديابارت” أن فرنسا ما تزال تسعى لحل ملفات حساسة، مثل إصدار التصاريح القنصلية لترحيل مهاجرين غير نظاميين، والإفراج عن الصحافي كريستوف غليزي قبل محاكمته يوم الـ 3 ديسمبر، فضلًا عن الملفات الاقتصادية والذاكرة التاريخية.
لكن “ميديابارت” اختتم المقال بالإشارة إلى أن التوتر قد يعود في أي لحظة بسبب ضغوط اليمين واليمين المتطرف في فرنسا، وموقف باريس من قضية الصحراء الغربية الذي أثار استياء الجزائر.

تعليقات الزوار
لا تعليقات