أخبار عاجلة

الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي يؤكدان ضرورة خريطة تقود إلى انتخابات وطنية في ليبيا

أكدت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي دعمهما الكامل للوصول إلى خريطة طريق واضحة تقود إلى انتخابات وطنية في ليبيا، وذلك خلال الاجتماع السنوي المشترك بين الجانبين، حيث استحوذ الملف الليبي على مساحة بارزة من النقاشات المتعلقة بالأزمات الإقليمية في القارة الأفريقية.
وحسب ما صدر عقب الاجتماع، فقد شدد الطرفان على ضرورة التوافق بين المؤسسات الليبية بشأن الإطار الدستوري والقانوني المنظم للاستحقاق الانتخابي، مع التشديد على أن أي عملية اقتراع تحتاج إلى بيئة آمنة تضمن مشاركة شاملة ونتائج معترفًا بها محليًا ودوليًا. واعتبر الاجتماع أن «توافر القواعد الحاكمة ووجود إطار دستوري واضح يمثلان نقطة الانطلاق الإلزامية» قبل تحديد موعد للانتخابات.
وأوضح البيان المشترك أن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي «مستعدان لتقديم الدعم الفني واللوجستي اللازم» للمسار الانتخابي، متى اتفقت المؤسسات الليبية على الخطوات المطلوبة، مشيرًا إلى أن إجراء الانتخابات دون اتفاق مسبق حول القواعد سيعرض النتائج للطعن وربما يدفع نحو موجة جديدة من التوتر السياسي.
كما دعا الاجتماع الأطراف الليبية إلى الالتزام بوقف إطلاق النار الموقع في تشرين الأول/أكتوبر 2020، والامتناع عن أي تحركات تصعيدية من شأنها تعطيل العملية السياسية. وأكد أن استمرار الانقسام المؤسساتي بين شرق ليبيا وغربها يعرقل إمكانات الحكومة في إدارة الموارد وتحسين الخدمات العامة، وأن معالجة هذا الانقسام شرط أساسي لنجاح العملية السياسية.
وتم التطرق خلال الاجتماع إلى الدور الإقليمي والدولي في ليبيا، حيث شدد الطرفان على ضرورة أن تكون العملية السياسية «بقيادة ليبية»، وأن يلتزم الفاعلون الخارجيون بدعم تسوية سلمية تحترم سيادة البلاد. وحذرا من أن استمرار التدخلات قد يعقّد جهود الوساطة ويزيد من حدة التوترات بين القوى المحلية المتنافسة.

وأشار البيان إلى أن المنظمتين ستكثفان التنسيق خلال الفترة القادمة مع الأطراف الإقليمية المؤثرة بهدف تقريب وجهات النظر الليبية وإعادة تفعيل مسار المصالحة الوطنية، مؤكدًا أن المصالحة «جزء لا يتجزأ» من أي جهد يقود إلى انتخابات ناجحة وحكومة موحدة.
وفيما يتعلق بالجانب الأمني، أوصى الاجتماع بالاستمرار في دعم مسار اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، باعتباره الإطار الوحيد الذي يضم ممثلين عن طرفي النزاع ويعمل على تنفيذ وقف إطلاق النار ومتابعة ملف إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة. كما جرى التأكيد على ضرورة إصلاح القطاع الأمني وتوحيد المؤسسة العسكرية لتأمين العملية الانتخابية وحماية مؤسسات الدولة.
وتزامن الاجتماع الأممي–الأفريقي مع نشر الباحثة الأوروبية فيدريكا فاسانوتي تقريرًا حذرت فيه من أن الأزمة الليبية دخلت مرحلة «الترسخ والاستدامة»، معتبرة أن الصراع بين المؤسسات المتنافسة والتشكيلات المسلحة يزيد من صعوبة الانتقال السياسي.
وقالت فاسانوتي إن الأطراف الليبية «لا تملك القدرة على فرض وحدة سياسية في البلاد، لكنها تملك ما يكفي من القوة لعرقلة أي حل»، وهو ما يفسر، وفق قولها، تعطّل جميع المبادرات السابقة لإجراء انتخابات أو إعادة توحيد المؤسسات.
وأضافت أن انتشار التشكيلات المسلحة وامتلاكها نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا يجعلها أحد أكبر العوامل المؤثرة في القرار الليبي، وأن الاشتباكات التي اندلعت في طرابلس خلال الأشهر الماضية تؤكد هشاشة الوضع الأمني وقدرة القوى المسلحة على التأثير في القرارات الحكومية.
وأشارت الباحثة إلى أن الانقسام بين حكومتي الشرق والغرب يستنزف الموارد الاقتصادية ويضاعف من الأزمات الخدمية، مؤكدة أن استمرار وجود حكومتين وجيشين ومؤسستين ماليتين يضع ليبيا أمام مسار طويل من الجمود ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي يجمع الأطراف الرئيسية.
وفي الداخل الليبي، جاءت مداخلة محمد السنوسي خلال «الملتقى الوطني للوحدة والسلام» لتعكس جانبًا من النقاشات الوطنية حول مخرج الأزمة، حيث دعا إلى «مدّ اليد بين الليبيين دون أي تهميش أو إقصاء»، معتبرًا أن المصالحة الوطنية تمثل قاعدة أساسية للعبور نحو مرحلة سياسية مستقرة.
وقال السنوسي إن اللقاءات التي أجريت خلال العامين الماضيين مع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية تسعى إلى بلورة شكل دولة مؤسسات حقيقية، مشيرًا إلى أن «الملكية الدستورية» تمثل في نظر بعض الأطراف «خيارًا جامعًا» يمكن أن يوفر أساسًا للاستقرار وبناء المؤسسات.
وأضاف أن ليبيا تقف أمام مرحلة حساسة تحتاج إلى توافق واسع، وأن تفاقم الانقسام الحالي يهدد بزيادة التدهور السياسي والأمني، إلى جانب مخاطر اقتصادية واجتماعية تتعلق بالهجرة والتوطين وتراجع الخدمات.
وتظهر المحصلة العامة لتقارير الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى جانب ملاحظات الباحثة الأوروبية، وتصريحات السنوسي، أن الملف الليبي لا يزال مرهونًا بتقدم فعلي في توحيد المؤسسات قبل تحديد موعد الانتخابات، فالمنظمات الدولية تطالب بخارطة طريق واضحة متفق عليها، بينما تشير التحليلات الأوروبية إلى أن الظروف الداخلية الحالية لا تساعد على تقدم سريع، في حين تبرز الدعوات الوطنية الحاجة إلى «صيغة توافق» تجمع القوى السياسية وتمنع الإقصاء.
وتشير هذه المعطيات إلى أن الانتخابات لن تكون ممكنة ما لم يتم التوصل أولًا إلى اتفاق سياسي حول القواعد الدستورية وقوانين الاقتراع وتوزيع الصلاحيات، وهو ما تعمل عليه الوساطات الدولية والإقليمية حاليًا. وفي الوقت نفسه، تبقى مسألة توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية شرطًا رئيسيًا لإنجاح أي عملية سياسية مقبلة. وبينما تستمر الاجتماعات والبيانات الدولية في التأكيد على ضرورة التقدم في المسار السياسي، يبقى الرهان الأساسي على قدرة الأطراف الليبية على التوافق، وعلى دور الشركاء الإقليميين والدوليين في دعم هذا المسار دون الانحياز لأي طرف، بما يسمح بوضع خريطة طريق واقعية تقود إلى انتخابات تنهي مرحلة الانقسام وتعيد بناء الدولة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات