لقيت رسالة تلقاها الرئيس عبد المجيد تبون من قبل نظيره الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يدعوه فيها للإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال، صدى كبيرا تلقّفه حتى الإعلام الرسمي، ما أوحى بإمكانية حصول انفراج قريب في هذا الملف الذي يلغّم بشكل كبير العلاقات الجزائرية الفرنسية.
وجاء في بيان صادر عن مكتب الرئيس الألماني أن شتاينماير وجّه رسالة رسمية إلى تبون، دعا فيها إلى “النظر في إمكانية العفو عن بوعلام صنصال بالنظر إلى تقدمه في السن ووضعه الصحي الهش”، مضيفًا أنه مستعد لاستقباله في ألمانيا لتلقي الرعاية الطبية. وأكد البيان أن هذه الخطوة تعكس “العلاقات الجيدة التي تجمع البلدين”، مشيرًا إلى أن الكاتب الحائز على جائزة السلام الخاصة باتحاد الناشرين الألمان، يحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية، وأن الحكم الصادر بحقه في الجزائر يوم الأول من يوليو 2025 يقضي بسجنه خمس سنوات مع غرامة مالية بتهمة “المساس بوحدة الوطن”. وقال شتاينماير في تصريحه: “لقد طلبت من الرئيس تبون العفو عن بوعلام صنصال، فمثل هذه الخطوة ستكون تعبيرًا عن روح إنسانية وبعد نظر سياسي”، مبرزًا أن العلاقات التي تربطه شخصيًا بالرئيس تبون “تشجع على مبادرات من هذا النوع”.
وعلى غير العادة، تم تداول الرسالة على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية، بما في ذلك وكالة الأنباء والتلفزيون العمومي، وهو ما منح الانطباع بوجود نية فعلية لدى السلطات الجزائرية في الاستجابة للطلب أو على الأقل بحث إمكانية الإفراج عن الكاتب. وفي ردود الفعل، تباينت الآراء، بين من رأى في المسألة تخلصا من عبء ثقيل عبر طريقة ذكية ومن قال في المقابل إن الخطوة غير مناسبة.
وفي منشور له، تساءل الإعلامي حفيظ دراجي: “بأي صفة تتوسّط ألمانيا لإطلاق سراح بوعلام صنصال؟ وهل أصبحت حرية من أساء لوطنه أولى من حرية شعب يُباد في غزة؟”، مضيفًا أن الذين يرفعون شعارات الإنسانية “يصمتون أمام المذابح ثم يتحركون لأجل كاتب نال من الجزائر وشعبها”. واعتبر دراجي أن الأولوية يجب أن تكون لـ”التفاتة إنسانية تجاه الدكتور محمد الأمين بلغيث”، مؤكدًا أن العفو عمّن خدم بلده “أحق ممّن أساء إليها بقلمه ولسانه”.
أما الكاتب والمستشار السابق حميدة العياشي فقد تناول الموضوع من زاوية سياسية أوسع، متسائلا: “هل نثق في الغرب؟” وقال إن الطلب الألماني يأتي في لحظة دقيقة من العلاقات الدولية، بعد توترات بين الجزائر وفرنسا ورفض الجزائر سابقا طلبات مماثلة. وربط العياشي بين القضية الراهنة وملفات داخلية مثل حالة الأكاديمي محمد الأمين بلغيث والناشط عبد الوكيل بلام، مشيرا إلى أن هذه القضايا لم تلق دعما خارجيا رغم طابعها الإنساني. واعتبر أن الحل الأنسب هو عفو شامل يفتح صفحة جديدة، داخليا بإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، وخارجيا بإبراز قدرة الجزائر على اتخاذ قراراتها المستقلة بعيدا عن الضغوط الانتقائية.
وفي الاتجاه نفسه، انتقد الكاتب عبد العالي زواغي تدخل الرئيس الألماني، معتبرا أنه “لا يوجد أي مسوغ لأن يحشر أنفه في قضية تخص القضاء الجزائري”، واصفا التهمة الموجهة إلى صنصال بأنها تهمة “خيانة”، وهي تهمة يعاقب عليها بشدة في كثير من دول العالم. وأضاف زواغي أن الموقف الألماني يثير الاستغراب، خاصة أن كتابا فرنسيين سُجنوا سابقا ولم يتدخل أحد للإفراج عنهم، بينما يتجاهل الغرب مآسي غزة ويدعم الكيان الصهيوني في مجازره. ورأى أن المسألة قد لا تكون مجرد مبادرة إنسانية، متسائلا إن كان الطلب الألماني تم بالتنسيق مع فرنسا لممارسة “ضغط ودي ومؤدب” على الجزائر، مؤكدا أن الأيام وحدها ستكشف ما وراء هذا التحرك.
أما المحلل السياسي حسني عبيدي، فقد رأى أن الرسالة الألمانية ونشرها من قبل الرئاسة الجزائرية تشكل مؤشرا على تغير في الموقف الجزائري، مشيرا إلى أن عدة عروض وساطة سابقة باءت بالفشل، لكن نشر الرسالة هذه المرة يعكس تحولا في طريقة التعامل مع الملف. واعتبر أن برلين تتحرك ضمن سياق دبلوماسي أوسع تشارك فيه باريس، في وقت تتكاثر فيه المؤشرات على عودة الاتصالات بين الجانبين، مثل دعوة وزير الداخلية الفرنسي من قبل نظيره الجزائري، وزيارة مرتقبة لمسؤولة رفيعة من وزارة الخارجية الفرنسية، واستعداد السفير الفرنسي ستيفان روماتيه لاستئناف نشاطه الميداني في الجزائر. وقال عبيدي إن هذه التطورات لا تمثل نهاية الأزمة، لكنها تشير إلى بداية إدارتها بطريقة مختلفة.
وما يعضد هذه القراءة، تصريحات المسؤولين الفرنسيين الأخيرة، ومنهم رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي نيكولا ليرنر الذي تحدث عن تلقي فرنسا إشارات من الجزائر تفيد باستعدادها لاستئناف الحوار بعد أكثر من عام من الجمود، موضحا أن هذا الحوار “لن يحرز تقدما دون الإفراج عن بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليز”. واعتبر ليرنر أن استمرار الانسداد “ليس في مصلحة أي من البلدين”، مذكرا بأن العلاقات وصلت إلى مستوى متدنٍ من التعاون الأمني، رغم بقاء قنوات الاتصال قائمة. كما أشار وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى أن بلاده تجري “حوارا لا بد منه” مع الجزائر، هدفه الأول الإفراج عن صنصال وغليز، مؤكدا أن “حماية المصالح الفرنسية تمر عبر نتائج ملموسة في هذا الملف”.
وعرف بوعلام صنصال، الذي شغل منصبا حكوميا رفيعا في بداية الألفية كمدير في وزارة الصناعة، بكتاباته المثيرة للجدل التي وُصفت في الجزائر بأنها تمس بالثوابت الوطنية. وقد أثار جدلا واسعا بروايته “قرية الألماني” التي ربط فيها ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي بضابط نازي ألماني، وواصل بعدها إطلاق تصريحات اعتبرها كثيرون معادية لثورة التحرير الوطنية ومتعاطفة مع الكيان الإسرائيلي الذي زاره أكثر من مرة. وبعد عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، برز مجددا في الإعلام الغربي بتصريحات مدافعة عن إسرائيل، مما زاد من غضب الجزائريين عليه.
ويوجد صنصال في السجن بعد إدانته بوقائع تتعلق بالمساس بوحدة الوطن وعدة تهم أخرى، عقب تصريحاته التي نسب فيها جزءا من التراب الجزائري للمغرب. وكان الكاتب قد اعتقل في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، لدى وصوله لمطار الجزائر، بعد تصريحاته لقناة يمينية متطرفة شكك فيها في أحقية الجزائر لحدودها الحالية. وتم وضعه رهن الحبس الاحتياطي، بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي تعاقب على “الأفعال التي تهدد أمن الدولة” وتعتبرها “أعمالا إرهابية”، قبل أن تتم إدانته على مرتين بـ5 سنوات سجنا نافذا.

تعليقات الزوار
لا تعليقات